الشجاعة في اتخاذ القرارات

نشر في 23-01-2023
آخر تحديث 22-01-2023 | 18:50
سيُسجل للسيدة أردرن شجاعتها وحزمها وصدقها مع نفسها ومع الآخرين باتخاذها قرار التنحي عن رئاسة وزراء بلدها بعد أن أمضت فيه سنوات قليلة، ولا شك أن اتخاذ قرارات شجاعة وحازمة وصادقة، وبخاصة من السياسيين والمسؤولين أينما كانوا، هو من صفات من سيذكرهم وبشكل إيجابي التاريخ.
 د. محمد أمين الميداني

كتبتُ مقالة، العام الفائت، على صفحات هذه الجريدة بعنوان: «السيدة رئيسة الوزراء البريطانية»، دارت عن السيدات اللواتي تسلمن منصب رئيسة وزراء في مختلف بلدان العالم، وكانت من بينهن جاسيندا أردرن رئيسة وزراء نيوزيلاندا، واخترت أن أكتب بضعة أسطر اليوم للحديث عن هذه السيدة التي قررت التنحي عن رئاسة مجلس وزراء بلدها اعتباراً من 7 فبراير المقبل! ويبدو أن أعباء هذا المنصب وما يتطلبه من وقت وجهد وتفرغ، وبحسب ما صرحت به إلى وسائل الإعلام، هي من أسباب قرارها بالتنحي والتفرغ لحياتها الخاصة والعائلية.

تم انتخاب السيدة أردرن كرئيسة لوزراء نيوزيلندا عام 2017، وكان يبلغ عمرها 37 عاماً، واعتبرت وقتها أصغر رئيسة حكومة في العالم، وصادف أيضاً أنها وضعت طفلها الأول بعد عام لتصبح ثاني زعيمة عالمية تلد في أثناء توليها هذا المنصب، كما تمت إعادة انتخابها عام 2020.

لماذا نهتم اليوم بالحديث عن هذه السيدة على رأس دولة تقع على بعد الآلاف الكيلومترات عن العالم العربي؟ لم ندرس تاريخ هذه الدولة في مناهجنا التعليمية في الدول العربية، ولم نكن نعرف طبيعة نظام حكمها ولا من يحكمها، ولم نتابع مجريات الأحداث فيها! وجاء الهجوم الذي وقع في شهر مارس 2019 على مسجدين في مدينة كرايست تشيرتش في نيوزيلندا ليلفت انتباهنا وانتباه العالم إلى مظهر آخر من مظاهر المتطرفين من اليمين الغربي، وادعاءات جديدة لسيادة العرق الأبيض، وشكل آخر من أشكال كراهية الإسلام والمسلمين.

ما يهمنا في هذا المقال هو موقف السيدة أردرن من هذه الحادثة، وتعاطفها الكبير مع الجالية المسلمة التي أسفر هذا الهجوم البشع عن مقتل وإصابة العديد من أفرادها، ورأينا عبر شاشات التلفزة كيف قامت هذه السيدة بزيارتين لهذه الجالية وتعاطفها الشديد مع أفرادها، ومعانقتها لبعض سيدات الجالية وهي ترتدي الحجاب احتراماً لتقاليدها، فهذا التعاطف لم يؤثر على الموقف الحازم لرئيسة الوزراء التي وصفت ما وقع بالعمل الإرهابي، وسعت إلى تغيير قوانين بلدها بخصوص حمل السلاح، ولم تذكر في مختلف تصريحاتها اسم مرتكب الهجوم حتى لا يحظى بأي شهرة أو اهتمام.

لا شك أن قرار السيدة أردرن كان مفاجئاً لسكان نيوزيلاندا وللأوساط السياسية فيها، وبخاصة أنها كانت تحظى بالشعبية، وهي لا تزال شابة وقادرة على البذل والعطاء، ورأت بعض الصحف الغربية أنه من النادر تنحي مسؤول غربي عن الحكم في مثل هذه الحالات، وبخاصة أن فترة حكمها لم تستمر طويلاً قرابة ست سنوات وبالقياس مثلاً لحكم المستشارة الألمانية أنجيلا مركل الذي استمر 16 عاماً.

سيُسجل للسيدة أردرن شجاعتها وحزمها وصدقها مع نفسها ومع الآخرين باتخاذها قرار التنحي عن رئاسة وزراء بلدها بعد أن أمضت فيه سنوات قليلة، ولا شك أن اتخاذ قرارات شجاعة وحازمة وصادقة، وبخاصة من السياسيين والمسؤولين أينما كانوا، هو من صفات من سيذكرهم وبشكل إيجابي التاريخ.

* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا

back to top