لبنان يدخل سنة جديدة بتحديات كبيرة وعينه على تحولات إقليمية ودولية
عون يُطمئن بتجنُّب الحرب الكبرى... وترقُّب لثالث جولة تفاوض مع إسرائيل
سنة جديدة يدخلها لبنان باستحقاقاتها وتحدياتها الكبيرة. ويبقى هذا البلد انعكاساً لتحولات إقليمية ودولية، فلا يمرُّ تحوُّل خارجي إلا ويكون له انعكاسه على الساحة اللبنانية التي تبدو مثقلة بالملفات.
هي سنة حاسمة في ملفات كثيرة، ويفترض خلالها أن تتحدد الوجهة اللبنانية بما يخص الوضع في الجنوب، والبنية السياسية للنظام.
وقد اختتم رئيس الجمهورية جوزيف عون السنة بكلام يحتوي على بعض الطمأنة بتجنّب الحرب الكبرى التي كانت إسرائيل تهدد بها. وهذه الحرب المقصودة، التي لطالما أرسل الإسرائيليون رسائل الى اللبنانيين بشأنها، كانت تشتمل على تنفيذ هجومات واسعة جداً على مناطق واسعة، إضافة إلى تنفيذ توغلات برية واستهداف مرافق عامة تابعة للدولة اللبنانية، فقد سعت الاتصالات اللبنانية إلى تجنّب مثل هذا السيناريو، بينما على الأرجح أن التصعيد الإسرائيلي سيستمر في الضربات المتفرقة والمتنوعة، للضغط على لبنان أكثر.
وفي موازاة السعي اللبناني لتجنّب المزيد من التصعيد الإسرائيلي، فإن النشاط يتفاعل إلى حدود بعيدة على المستويين الداخلي والإقليمي، في إطار الوصول إلى تصور شامل حول إنهاء حالة الحرب وإرساء تسوية سياسية شاملة. وعليه ينتظر لبنان الجولة التفاوضية الثالثة مع إسرائيل بممثل مدني إلى جانب جولة ثلاثية سيقوم بها الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، والموفد السعودي يزيد بن فرحان، والسفير الأميركي في لبنان ميشال عيسى، الذي يتمتع بصلاحيات موسعة ترقى إلى مستوى «مبعوث».
وستشمل الجولة مختلف المسؤولين للبحث في الانتقال إلى المرحلة الثانية من عملية سحب السلاح، أي العمل في منطقة شمال الليطاني، والبحث في كيفية توفير الدعم للجيش اللبناني، إضافة إلى البحث في تصور سياسي شامل يتعلق بتجديد اتفاق الطائف.
وبحسب المعلومات، فإن مختلف القوى الإقليمية والدولية أصبحت على قناعة بأن هناك حاجة إلى حصول تسوية سياسية واسعة تشمل كل الأطراف، بما فيها حزب الله، بدلاً من نظرية «إنهاء الحزب» أو عزله. وأي صيغة سيتم العمل عليها سيكون من خلال التركيز على دور رئيس مجلس النواب نبيه بري، في إطار حفظ التوازنات بين كل المكونات، والتي يضمنها «الطائف».
وهذا الأمر يثير خوف بعض القوى أو المكونات من طرح فكرة المقايضة بين سلاح الحزب والمكتسبات السياسية التي يمكنه أن يحققها، خصوصاً أن مسؤولين دوليين طرحوا تساؤلات كثيرة حول ما يمكن للحزب أن يطالب به في سياق الاقتناع بأن مرحلة السلاح قد انتهت، ولا بُد من الانتقال إلى مرحلة جديدة.
وما قبل الجولة الثلاثية، شهدت المنطقة سلسلة تحركات واتصالات، وخصوصاً بين السعودية وقطر مع إيران، إضافة إلى اللقاء السعودي - القطري الذي حصل في الدوحة بين بن فرحان ووزير الدولة بـ «الخارجية» القطرية محمد الخليفي، حيث جرى البحث في الملف اللبناني ككل وسبل التعاون والتنسيق، وبعدها ما تردد من معلومات عن زيارة وفد من حزب الله إلى الدوحة، خصوصاً أن قطر لديها علاقات مع مختلف القوى اللبنانية، ولم تقطع هذه العلاقات مع أي طرف، وبإمكانها أن تكون صاحبة دور فعال ومؤثّر في الوصول الى تسوية سياسية شاملة تحفظ الاستقرار، لاسيما في ظل الانسجام مع السعودية، وتنسيق البلدين مع إيران من دون إغفال الصورة العامة على مستوى المنطقة بتوازناتها وإفرازاتها، وهو ما لا يمكن فصله عن التنسيق السعودي - القطري - التركي مع الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول في سبيل حفظ استقرار سورية ووحدتها.
ويفترض أن تكون السنة الجديدة هي سنة الانتخابات النيابية، والتي يرى كثيرون أنها يجب أن تغيّر الموازين السياسية وتُحدث تغييراً جذرياً في الطبقة السياسية. ولكن في ضوء المسار المفتوح بحثاً عن تسوية شاملة، فإن المساعي الإقليمية والدولية تبحث في كيفية إطلاق ورشة نيابية فعالة وجدية لتثبيت اتفاق الطائف، وإعلان الجميع الالتزام به، بما يتضمنه من حصرية السلاح بيد الدولة، وإعداد لقانون انتخابي جديد، وإلغاء الطائفية السياسية، وتشكيل مجلس الشيوخ، والالتزام باللامركزية الإدارية الموسّعة.
وفي حال حصل الاتفاق على هذه النقاط كلها، يفترض أن يتحول المجلس النيابي الحالي إلى ورشة عمل دائمة لوضع المراسيم التطبيقية لذلك، وهذا قد يفتح الباب أمام تأجيل لسنتين بانتظار الانتهاء من وضع هذه المراسيم التطبيقية، وعندها تحصل الانتخابات النيابية عام 2028، وبعدها بـ 4 سنوات تتزامن الاستحقاقات مع بعضها البعض، الانتخابات النيابية والرئاسية والبلدية، في إطار حصول تحوُّل سياسي يكون شاملاً على مستوى البلاد.