هل هي بداية لنهاية اقتصاد السوق؟!
هل عادت موجة الاشتراكية المتطرفة إلى العالم، حتى في ظل الدول الرأسمالية ذات الأنظمة الديموقراطية الليبرالية؟!
سؤال مُلحّ في ظل ما تشهده القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية الأساسية في كل من أميركا وفرنسا وبريطانيا، ومعها جزئياً ألمانيا، من محاولات تدخّل الدولة في النشاط الاقتصادي والتجاري، وعودة حالة تملّك الدولة للعديد من الأنشطة التجارية الخاصة! وتقليص ملكية أو دور القطاع الخاص، وفرض قيود مستحدثة على أنشطته التجارية!
هل هي محاولات لسحب البساط من تحت أقدام الأحزاب اليسارية من جهة أو لمحاولة تثبيتها من جهة أخرى! أم هي محاولة لتقليل نفوذ أصحاب المال والاستقطابات السياسية المتزايدة لهم؟! وهل يمكن أخذ حالة إيلون ماسك نموذجاً خاضعاً للأخذ والرد؟! وهو النمط الجديد الذي نشهده للسياسات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية الأساسية! فهل تتم معالجة هذه الملفات الجوهرية للدول بردود الفعل وتبعاً لأجندات سياسية أو انتخابية مؤقتة على حساب استقرار وتطور قطاعات اقتصادية مهمة وأخرى اجتماعية لا تقل أهمية، مثل الصحة والتعليم والتأمينات الاجتماعية، والتي أدت دوراً اقتصادياً حيوياً ودوراً اجتماعياً متعاظماً؟!
هل نحن أمام موجات من السياسات المبنية على ردود الفعل (المنطلقة من اعتبارات شخصية أو رغبة في تحجيم المنافسة)، رغم أنها تُحدث تصدعاً بنيوياً في مؤسسات الدولة واستقرار منظومتها الاقتصادية والاجتماعية والخدمية، وسيكون لمثل هذه التوجهات تداعياتها ومخاطرها الآنية وبعيدة المدى على حالة استقرار الحياة بالنسبة للفرد والأسرة والمجتمع قد تتحوّل لاحقاً إلى حالة تصدُّع اجتماعي وغضب شعبي ومزاج استهلاكي مغاير كان من الممكن احتواؤه وتطمين الجموع الواسعة من الشعب التي قد يتزايد لديها الشعور بعدم الرضا!
والسؤال المنطقي هو: أين نحن في الكويت ودول الخليج من حالة التأثر والانجذاب لمثل هذه المتغيرات في دول ليبرالية عرفت بتبنيها ودفاعها عن الحريات الاقتصادية والاجتماعية وعن اقتصاد السوق الذي يتيح النمو الطبيعي مع حرية اقتصادية منضبطة؟!
فهل يمكن أو ربما فعلاً بدأت الكويت ودول الخليج تتأثر بهذه الموجة، وربما تتبنى خيار الاشتراكية الاقتصادية والتي تسعى إلى تقليص وتراجع القطاع الخاص ودوره التنموي والمستقل في دعم الدولة وبنيتها الاقتصادية والاجتماعية والتأمينية؟! ولعل ما نُشر في صحف أمس الأول الاثنين بشأن طرح أسهم أم الهيمان للصرف الصحي لاكتتاب المواطنين ما يطمئن باستمرار نهج تعاون القطاعين في الكويت.
ويبقى سؤال مشروع: هل يمكن أن تصبح هذه التحولات واضحة في القطاع المصرفي والتجاري والصحي والتعليمي والتأمينات الاجتماعية؟!
كل تلك تساؤلات تستحق الطرح والمناقشة ووضعها أمام متخذ القرار لتدارك الأمر قبل أن تداهم الكويت أو دول الخليج أي أزمات اقتصادية واجتماعية وخدمية نابعة عن جملة من السياسات العالمية الجديدة المندفعة نحو الاشتراكية والتضييق على نشاط القطاع الخاص وحيويته المتكاملة والمتممة لمسارات الدول!
وذلك التكامل بين القطاعين العام والخاص الذي تبنّاه الدستور واستطردت مذكرته في شرحه، وهل ما تحقق خلال العقود الأربعة الماضية لدول الخليج، من تطورات وانفتاح ونمو اقتصادي كبير يمكن المُضي بمسار عكسي له؟ وهو ما يستلزم تأنّيها وتوقفها في مواجهة التحولات القادمة الجديدة وعدم تقليد الدول الرائدة في سياساتها الانفعالية المدفوعة بمكاسب سياسية أو انتخابية، في مرحلة بات تأثير الأحزاب اليسارية والاشتراكية في تعاظم بأوروبا وأميركا، ومن المتوقع له اكتساح انتخابي قادم! وربما نرى في سياسات رئيس وزراء بريطانيا اليساري العمالي ستارمر نموذجاً يستحق التوقف أمام توجهاته.