ما الذي تغيّر؟

نشر في 31-12-2025
آخر تحديث 30-12-2025 | 20:09
 حسن العيسى

علّق صديق على تصريح حديث لوزير التجارة، تصدَّر عناوين الصحف قبل أيام، يقول فيه إن «الكويت تولي قطاع الصناعة الوطنية أولوية استراتيجية باعتباره أحد المحركات الرئيسية لتنويع الاقتصاد». 

ابتسم الصديق بسخرية مريرة، وقال إنه قرأ وسمع مثل هذه العبارات نفسها قبل ثلاثين عاماً، من دون أن يرى على الأرض ما يثبتها. فلا أراضي صناعية كافية، ولا بنية جاهزة، وآلاف الشركات ما زالت تنتظر، في حين تشتعل الأسعار بلا ضابط. فما جدوى هذا الخطاب الإنشائي الذي يُعاد تدويره للصحافة؟

عن أي صناعة نتحدث؟ وأي مساهمة حقيقية لها في الدخل القومي بالقيمة المضافة؟ كلمات تُقال، ثم تُترك لتتبخر. العالم اليوم يمرّ بأزمات اقتصادية خانقة، لا تقتصر على الدول النامية، بل تشمل الدول الصناعية المتقدمة، والكويت ليست جزيرة معزولة عن هذا الواقع. أكثر من 80 في المئة من دخلها يعتمد على سلعة واحدة هي النفط، وأسعاره لا تبعث على الاطمئنان. الشطارة ليست في تكرار الشعارات، بل في اقتناص الفرص، والاستثمار في الإنسان واستقراره، وبناء إدارة قادرة على الفعل، لا الاكتفاء بالكلام. فماذا صنعت الإدارة، بعد سنوات طويلة من ترديد الحديث ذاته؟

قبل نحو عقد، في عام 2016، نشرت مجلة الإيكونومست تحذيراً صريحاً للدول النفطية، مفاده أن «الحفلة انتهت» وذلك عندما هبط سعر برميل النفط إلى أربعين دولاراً. 

ميزة دول الخليج، آنذاك، أنها كانت تمتلك احتياطيات مالية ضخمة، بخلاف دول مثل فنزويلا ونيجيريا، لكن هذه الاحتياطيات ليست أبدية، ولذلك سارعت معظم دول المنطقة إلى تقليص إدمانها على النفط، وبدأت فعلياً بتنويع مصادر إيراداتها. أما هنا... فأنتم أدرى بالحال.

بعدها بعام واحد، في 2017، أثار لقاء وزير المالية آنذاك، أنس الصالح، مع إحدى الصحف الاقتصادية ضجة واسعة، عندما قال بوضوح: «أنا قلق على وطني، وقلق على احتياطيات الدولة، وقلق على ديمومة الحال». كان الرجل يصف واقع تلك المرحلة بلا تجميل. والسؤال اليوم: هل تغيّر شيء؟

الإجابة، مع الأسف، لا. ففي عام 2018 جاء تصريح وزير المالية اللاحق، الحجرف، محذّراً من التناقص الكبير في سيولة الاحتياطي العام، وداعياً إلى الاقتراض. وها نحن اليوم نقترض فعلاً، في حين ما سُمّي بالقفزة الكبرى نحو عالم التنمية اقتصر على نقل سوق السمك من موقعه، وكأن المشكلة الاقتصادية تُحل بإبعاد روائح «الزَّفرة» عن أنوف آلاف السياح والمستثمرين الأجانب بسوق المباركية.

بعد كل هذه السنوات، يبقى السؤال معلّقاً: ماذا صنعنا فعلاً لتقليل الاعتماد على النفط؟ ماذا تغيّر في جوهر السياسات لا في عناوين التصريحات؟

back to top