البابطين: لغتنا ركيزة لبناء مستقبل معرفي مستدام
• خلال ندوة ثقافية حول واقع «العربية» ومستقبلها في عصر التحولات التكنولوجية المتسارعة
اختتمت مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية، بالتعاون مع مجمع اللغة العربية في لبنان، والتنسيق مع سفارة الجمهورية اللبنانية في الكويت، أعمال ندوة «تمكين اللغة العربية وتعزيز حضورها... مبادرات مُعاصرة»، التي عُقدت على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي، في فعالية جمعت نُخبة من الأكاديميين والخبراء العرب، وشهدت حواراً معمَّقاً حول واقع العربية، ومستقبلها في عصر التحوُّلات التكنولوجية المتسارعة.
وناقشت الندوة، عبر جلستين علميتين، محاور متعددة، شملت: الحوسبة اللغوية، والذكاء الاصطناعي، والتجارب العربية في دعم اللغة، ودور المؤسسات الثقافية والتعليمية في تعزيز استخدام العربية في الفضاء الأكاديمي والمهني.
مواجهة التحوُّلات الرقمية
وفي هذا الإطار، قدَّم عدد من الأكاديميين والمتخصصين مداخلات علمية تناولت واقع اللغة العربية، وتحدياتها المعاصرة، كلٌّ من زاويته البحثية وخبرته الأكاديمية.
افتتحت الندوة جلساتها بعرضٍ شامل للواقع الراهن للغة العربية في مواجهة التحوُّلات الرقمية، مستعرضةً أهم التحديات والفرص المتاحة أمام تمكين اللغة في مختلف المجالات الأكاديمية والثقافية والمهنية، ما أتاح للمشاركين الإلمام بمختلف جوانب القضية قبل الدخول في تفاصيل الجلسة.
الحوسبة اللغوية
وبرئاسة د. مشاري الموسى للجلسة الأولى تم تسليط الضوء على البُعد التقني للغة العربية، من خلال الحوسبة اللغوية والذكاء الاصطناعي، ودور المؤسسات الثقافية والتعليمية في تمكين اللغة وتعزيز حضورها. وقدَّم د. عبدالله الوشمي مداخلة معمَّقة واقعية تناولت جهود مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية في الحوسبة اللغوية والذكاء الاصطناعي.
فيما استعرض د. علي الكبيسي التجربة القطرية الوطنية في تمكين اللغة العربية، مؤكداً أن السياسات اللغوية المتكاملة تشكِّل العمود الفقري لتعزيز حضور العربية في التعليم والإعلام والمؤسسات الرسمية. وأضاف الدكتور عبدالرحمن الشرقاوي بُعداً عملياً، مُستعرضاً تجربة الشارقة في تمكين العربية من خلال مبادرة «صحّح لي»، كنموذج يُحتذى به في تفعيل الدور المجتمعي والمؤسسي للغة.
ومن التقنيات الرقمية وتجارب التمكين على الأرض في الجلسة الأولى، انتقل النقاش في الجلسة الثانية إلى أبعاد تعليمية ومؤسسية، مع التركيز على العلاقة الحيوية بين اللغة العربية ومتطلبات التعليم وسوق العمل في سياقات عالمية متجددة.
فيما ناقشت الجلسة الثانية، برئاسة د. سالم خدادة، دور المؤسسات العربية في تعزيز العربية، ودعم الاستثمار في المعرفة اللغوية. وقدَّم الأستاذ جمال بن حويرب جهود مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة في دعم العربية، مؤكداً أن الاستثمار في المعرفة اللغوية يشكِّل ركيزة أساسية لبناء اقتصادٍ معرفي مستدام.
وانطلاقاً من الدور المؤسسي، انتقلت الندوة إلى مناقشة العلاقة بين الكفاءة اللغوية ومتطلبات التعليم وسوق العمل، حيث ناقشت د. سارة ضاهر إشكالية اختبار الكفاءة في اللغة العربية للناطقين بها، مؤكدة ضرورة الموازنة بين المعايير الأكاديمية ومتطلبات السوق المهني، وتطوير أدوات تقييم أكثر مرونة وواقعية.
وفي مداخلة تناولت البُعد الدولي، استعرض د. علي المالكي تجربة تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها، مؤكداً أن نجاح تعليم العربية للناطقين بغيرها يرتبط بربط اللغة بالثقافة والسياق الحضاري، لا بالجانب اللغوي المجرَّد فقط.
وشدَّد المشاركون على أن تمكين العربية يتطلب رؤية تكاملية تجمع بين البحث العلمي، والمبادرات المؤسسية، والاستثمار الذكي في التقنيات الحديثة، مع ضرورة تحويل السياسات إلى مبادرات عملية ملموسة تعزز حضور العربية في الفضاءين الأكاديمي والمهني.
التقنيات الحديثة
وفي ختام الندوة، أدلى سعود عبدالعزيز البابطين، رئيس مجلس أمناء مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية، بتصريحٍ أكد فيه أن المؤسسة ماضية في دعم اللغة العربية، بوصفها ركيزة أساسية للهوية الثقافية العربية، وضرورة استراتيجية في بناء مستقبلٍ معرفي مستدام.
وأشار البابطين إلى أن الاستثمار في اللغة العربية لم يعد خياراً ثقافياً فحسب، بل أصبح ضرورة تنموية تتطلب شراكات فاعلة بين المؤسسات الثقافية والتعليمية والتقنية، بما يضمن حضور العربية في مجالات البحث، والتعليم، والتقنيات الحديثة.
واختُتمت الندوة بعددٍ من التوصيات، شدَّدت على أهمية تطوير مبادرات عملية، وتكثيف التعاون العربي المشترك، وتبني أدوات رقمية حديثة تخدم اللغة العربية، وتوسِّع من نطاق استخدامها عالمياً، بما يعكس مكانتها الثقافية والمعرفية في العالم المعاصر.