قانون أوروبي يتسبب في فرض عقوبات أميركية

نشر في 31-12-2025
آخر تحديث 30-12-2025 | 18:53
 د. محمد أمين الميداني

​فرضت الحكومة الأميركية مؤخراً مجموعة من العقوبات، من بينها الحرمان من تأشيرة الدخول وكذلك المنع من الإقامة، على عدد من المواطنين الأوروبيين، وفي مقدمتهم تييري بروتون الذي كان وزيراً للاقتصاد والمالية في فرنسا ما بين عامي 2005 و2007، والذي شغل أيضاً منصب المفوض الأوروبي لشؤون السوق الداخلية في المفوضية الأوروبية بين عامي 2019 و2024. وفُرضت العقوبات أيضاً على مواطنين بريطانيين أحدهما يقيم في الولايات المتحدة، ويخشى أن يتعرض للطرد منها بسبب هذه العقوبات، مما دفعه إلى رفع دعوى ضد الإدارة الأميركية، كما فُرضت هذه العقوبات على سيدتين ألمانيتين تعملان في منظمة غير حكومية ألمانية.

​ويعد قانون الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي، الذي اعتمد عام 2022، السبب الرئيس لفرض هذه العقوبات على هؤلاء الأشخاص الذين عملوا بهدف صدور هذا القانون وقاموا بدعمه والترويج له، ويهدف إلى حماية مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وحماية حقوقهم الأساسية وخاصة حماية حرية التعبير، وحماية المستهلكين والأطفال، ويهدف أيضاً إلى مساعدة الشركات الناشئة في دول الاتحاد الأوروبي، كما يسعى إلى مكافحة التضليل الإعلامي عبر هذه الوسائل من خلال متابعة ديموقراطية ورقابة للمواقع الإلكترونية الدولية الكبرى، والتخفيف من الآثار التي يمكن أن تسببها الأخبار المضللة وغير الصحيحة، والتي يقصد من يقف وراءها التلاعب بالمعلومات ومضمونها.

​وأدانت المفوضية الأوروبية في بروكسل العقوبات الأميركية المفروضة على هؤلاء المواطنين الأوروبيين، ونددت بالطبع الحكومة الفرنسية بالعقوبات المفروضة بحق وزير فرنسي سابق ومفوض أوروبي كان يقوم بواجباته، كما انتقدها هذا المفوض وتساءل، حسبما ذكرت وسائل الإعلام: «هل عادت حملة مكارثي للتطهير؟». والمقصود هو الحملة المعروفة التي قادها السيناتور الأميركي جوزيف مكارثي عن الحزب الجمهوري في بداية الخمسينيات ضد شخصيات عامة اتهمت بالتعاطف مع الشيوعية، ومن بينهم من يعمل في داخل الحكومة الفدرالية الأميركية. كما ذكّر المفوض بأن البرلمان الأوروبي، الذي يتم انتخاب أعضائه بشكل ديموقراطي من قبل مواطني 27 دولة أوروبية، صوت بنسبة 90% لمصلحة هذا القانون، كما صوتت بالإجماع كل هذه الدول الأوروبية لمصلحة القانون الذي تم اعتماده بطرق قانونية وديموقراطية.

​لا ينكر أحد الدور الكبير الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في حياة الأفراد، والمجتمعات والدول أيضاً، بل أصبح لهذه الوسائل تأثير يتجاوز كل الحدود، ويدخل في كل المجالات والميادين، ويمثل جانب منه تهديداً مباشراً للمجتمع، والأسرة، والفرد بما يمكن أن ينقله أو يقدمه أو يعرضه من أفكار وطروحات وأخبار لا يمكن دائماً التحقق منها والتأكد من صحتها، وعدم وجود دوافع خبيثة بل وخطيرة ورائها تؤثر على تماسك المجتمع، وروابط الأسرة، وسلامة الفرد.

من حق الجميع بلا أدنى شك استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن يجب القيام بلا أدنى شك بحماية مستخدمي هذه الوسائل، وخاصة الأطفال، وكذلك حماية حقوقهم الأساسية في كل الدول ومن بينها الدول الأوروبية، وهو ما سعى إليه قانون الاتحاد الأوروبي لعام 2022، والذي يمكن أن تستلهم منه الحكومات في البلدان العربية، بغرض حماية المستخدمين وهم كُثر لمختلف وسائل التواصل الاجتماعي.

 

* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا.

back to top