الاقتصاد المستدام
ظهر مفهوم الاقتصاد المستدام كامتداد لفكرة التنمية المستدامة التي ورد ذكرها في تقارير الأمم المتحدة منذ ثمانينيات القرن الماضي، والتي تُعرّف بأنها التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بموارد وقدرات الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها. ويعد الاقتصاد المستدام نظاماً اقتصادياً قادراً على تحقيق النمو والإنتاج والقيمة المضافة مع الحفاظ على الموارد الطبيعية وتقليل الفجوات الاجتماعية والاقتصادية.
ويرتكز الاقتصاد المستدام على ثلاثة أبعاد تكاملية: 1- البعد الاقتصادي المرتبط بالكفاءة الإنتاجية والاستقرار المالي والنمو طويل الأجل. 2- البعد البيئي المعني بحماية الموارد الطبيعية وتقليل الانبعاثات والنفايات. 3- البعد الاجتماعي المختص بالعدالة وتكافؤ الفرص وتحسين جودة الحياة. هذه الأبعاد التكاملية تجعل الاقتصاد المستدام نموذجاً بديلاً لاقتصاديات النمو التقليدية التي ركزت تاريخياً على الربحية في الأجل القصير دون التركيز بشكل كاف على البعدين البيئي والاجتماعي.
أما أهم الركائز التي يقوم عليها الاقتصاد المستدام فهي كالتالي: 1- الإدارة الرشيدة للموارد، وترتبط بالاستخدام الأمثل والمتوازن للموارد، بما يضمن استدامتها وتقليل الهدر، إضافةً إلى اعتماد سياسات إنتاج واستهلاك مسؤولة. 2- التحول نحو الاقتصاد الدائري، الذي يركز على إعادة التدوير، وإطالة عمر المنتجات، وتقليل النفايات الصناعية. 3- الطاقة المتجددة والتحول البيئي، الذي يركز على الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر التي تمثل أهم محركات الاقتصاد المستدام في مواجهة التحديات المناخية العالمية. 4- الاهتمام برأس المال البشري، ويشمل التعليم، التدريب، دعم البحث العلمي والابتكار، وتمكين الكفاءات بهدف رفع الإنتاجية وتعزيز القدرة التنافسية. 5- حوكمة الاقتصاد والمسؤولية الاجتماعية، يتطلب مؤسسات فعّالة، وسياسات مالية متوازنة، وإطار تشريعي يدعم الشفافية والمساءلة والمسؤولية الأخلاقية والقيم المؤسسية.
أما أبرز تطبيقات الاقتصاد المستدام التي ساهمت في تعزيز الابتكار وتحسين كفاءة الإنتاج، وتقليل الأثر البيئي للأنشطة الاقتصادية، فتتمثل في المباني الخضراء وكفاءة الطاقة في المدن الذكية، وكذلك النقل العام المستدام والتحول نحو المركبات منخفضة الانبعاثات، وفي الزراعة الذكية وتقنيات الري الموفرة للمياه، وفي المؤسسات الصناعية منخفضة الكربون، وبرامج التحول الرقمي التي تقلل من التكاليف التشغيلية والموارد المستهلكة.
أما أهم التحديات التي تواجه التحول نحو الاقتصاد المستدام فهي: مقاومة التحول بسبب التكلفة الأولية للمشاريع المستدامة، وضعف التنسيق بين السياسات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، ومحدودية الوعي المجتمعي بثقافة الاستهلاك المسؤول، والاعتماد على نماذج اقتصادية تقليدية في بعض الدول والقطاعات. ومن الصعب تجاوز هذه التحديات إذا لم تُواجه بإرادة سياسية، وإصلاحات تنظيمية، وشراكة فعالة بين القطاعين العام والخاص، ودعم الابتكار والبحث العلمي، وتوطين الخبرات، وتمكين الكفاءات.
إن الاقتصاد المستدام يمثل خياراً استراتيجياً للدول التي ترغب في تحقيق تنمية متوازنة، تعزز مرونة اقتصادها أمام الأزمات، وتخلق فرص عمل مستدامة قائمة على المعرفة والتكنولوجيا، وتحمي البيئة وتحسّن جودة الحياة، وتدعم العدالة الاجتماعية والاستقرار المجتمعي. فالاقتصاد المستدام ليس مجرد اتجاه نظري أو حل ورقي، بل هو إطار تنموي شامل يستجيب للتحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية المعاصرة، ويعالج كل الاختلالات الهيكلية، ويحول الاقتصاد من أحادي تقليدي استهلاكي قصير الأجل إلى اقتصاد مرن متنوع منتج ومستدام.