العام الجديد... أمنية العدالة في زمن أكثر قسوة

نشر في 31-12-2025
آخر تحديث 30-12-2025 | 18:50
 ضاري المير

نستقبل العام الجديد بعد أيام قليلة، والعالم يبدو مثقلاً بما يفوق طاقته من الكوارث والخيبات. لم يعد وداع عامٍ مضى مناسبة للتفاؤل، بقدر ما أصبح لحظة جردٍ ثقيل، نُحصي فيها الخسائر الإنسانية قبل أي شيء آخر. وفي مقدمة هذه المآسي، تقف غزة الجريحة، جرحاً مفتوحاً في ضمير العالم، تختصر معنى الظلم حين يصبح القتل مشهداً يومياً، والحصار سياسة، والصمت الدولي شريكاً في الجريمة، وكأن الدم الفلسطيني بات خارج حسابات العدالة والإنسانية. 

العالم اليوم أكثر قسوة من سابقه، ليس فقط بسبب الحروب، بل بسبب الطريقة التي تُدار بها. لم تعد المأساة تثير الدهشة، بل صارت خبراً عابراً في نشرات الأخبار، تتزاحم فيه صور الدمار مع مؤشرات الأسواق وأسعار الطاقة. كأن الإنسان تراجع في سلّم الأولويات، ليحل محله منطق القوة والمصلحة، في نظام عالمي يُعاد تشكيله بلا اعتبار حقيقي للقيم التي طالما رُفعت كشعارات أخلاقية وإنسانية. هذا التحوّل لا يحدث في الفراغ، بل ينعكس مباشرة على حياة الناس. 

ارتفاع تكاليف المعيشة، تقلّص فرص العمل، تآكل الدخول، وضغوط اقتصادية متراكمة تطال المجتمعات كافة، غير أن الضربة الأشد تقع على الطبقة الوسطى، تلك الطبقة التي شكّلت تاريخياً صمام أمان المجتمعات، وحامل الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، فإذا بها اليوم تقف على حافة الهشاشة، محاصرة بين غلاء لا يرحم، ودخل لا يكفي، والتزامات لا تتراجع. وعلى المستوى المحلي، تتقاطع هذه التحولات العالمية مع واقع ضاغط لا يمكن تجاهله. 

رسوم ترتفع، وخدمات تتزايد كلفتها، وسياسات تُتخذ أحياناً دون قراءة عميقة لأثرها الاجتماعي. هنا تصبح الأمنية في العام الجديد أكثر وضوحاً وواقعية: أن تكون الطبقة الوسطى حاضرة في عين القرار الحكومي، لا بوصفها رقماً في تقارير مالية، ولا شعاراً يُستحضر عند الحاجة، بل كواقع معيشي يجب أن تُبنى السياسات على أساسه.

الطبقة الوسطى لا تطلب امتيازات استثنائية، ولا تسعى إلى إعفاءات غير عادلة، بل تطلب عدالة في صنع القرار. تطلب أن تُحسب كلفة أي إجراء حكومي على حياتها اليومية: في السكن، والتعليم، والصحة، والطاقة، والتنقل. تطلب ألا تُدفع دائماً إلى موقع الممول الصامت، الذي يتحمّل العبء الأكبر، بينما تتآكل قدرته على الصمود عاماً بعد عام. أما الفقراء والمساكين فهم أول من يدفع ثمن أي خلل في السياسات العامة. وكلما ضعفت الطبقة الوسطى، اتسعت رقعة الفقر، وازدادت هشاشة المجتمع، وتراجع الإحساس بالأمان الاجتماعي. 

لذلك، فإن حماية الطبقة الوسطى ليست مطلباً فئوياً، بل ضرورة وطنية، تضمن التوازن، وتحفظ الاستقرار، وتمنع الانزلاق نحو أزمات أعمق وأكثر تعقيداً. وسط عالمٍ يزداد قسوة وبروداً، يبقى الأمل ضرورة أخلاقية لا يمكن التفريط بها. أملٌ بأن يكون العام الجديد أخف وطأة على البسطاء والمساكين، وأكثر عدلاً في قراراته، وأكثر وعياً بأن الإنسان هو جوهر أي سياسة ناجحة. أمنيتنا صادقة وبسيطة: عامٌ جديد تُصاغ فيه القرارات بعين الرحمة والعقل، وتُرى فيه الطبقة الوسطى بوضوح، لا كعبء، بل كركيزة أساسية لمستقبل أكثر عدلاً واستقراراً.

back to top