قطرة ندى: تتحدث المدن... ويحكي الزمن
ليست الطرق المؤدية إلى العواصم مجرد مسافات تُقطع، بل حكايات تُروى، تبدأ من قديم الزمن ولا تنتهي رغم طي السنين والمسافات. ومن بين هذه الروايات والأزمنة، تقودنا أوروبا إلى القرن الثامن عشر، فتقف عواصمها على مفترق طرق حاسم. هناك، وما بين تصاعد نهج اقتصادي وأفول الآخر، تدخل في دوامة التغيير، لا كحدث عابر، بل كزلزال أعاد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع. فكانت الحرية والمواطنة وحقوق الإنسان عناوين مرحلة جديدة، مهّدت للقارة العجوز اللحاق بالركب والالتفات إلى القارة الشابة الصاعدة في الغرب والأخرى التي تتلمس طوق النجاة في الشرق. وتأتي خريطة الشرق الأوسط فتصبح ملاذاً لكل حالم وساحة تقاطعت بها الطموحات حيث يعاد تشكيل المصير بين الأمل المرتجى والمستقبل على إيقاع الصراعات وقواها التي وهنت واستنزفت.
وفي زمنٍ موازٍ، وعلى ضفاف الخليج العربي، كانت التجربة تسلك مساراً أكثر هدوءاً وأعمق أثراً. فمنذ سبعينيات القرن الماضي، تبلورت فكرة العمل الخليجي تحت مظلة تنموية، حين التقت إرادة القادة على صيانة الأمن والاستقرار وبناء مستقبل قائم على التعاون فنشأ نموذج إقليمي متماسك عزز التنسيق السياسي والاقتصادي، وفرض حضوره كنموذج متميز، كثيراً ما قورِن بالاتحاد الأوروبي، لا من باب التشابه، بل من باب الطموح المشترك.
ووسط تلك التحولات، لم يغب دور المرأة بل كان ومازال شاهداً على نضج المجتمعات وتطورها. وإن كانت قد طرقت أبواباً حديدية في الغرب لنيل حقوقها... فقد بدأت منذ ستينيات القرن الماضي، بل قبل ذلك بمنطقتنا هذه بمسيرة طويلة من المطالبة بالحقوق. ورغم التعثر والرفض، فقد ظل الصوت النسائي حاضراً، مدعوماً بالإعلام والمجتمع المدني، وبتمكين المرأة اقتصادياً ثم جاءت اللحظات الفاصلة لتضيف ألواناً جميلة إلى لوحة الحقوق والمطالبات وذلك بتمكينها من العمل السياسي ودخولها سلك القضاء. وبعد تلك الرحلة المختصرة عبر الأزمنة... ندرك أننا جزء من لوحة كبيرة أقرب ما تكون إلى لوحة فن الموزاييك الذي يدمج القطع بألوانها المختلفة وكأنها دلالة على تشابك الأزمنة والتجارب، فالنهضة لا تقترن بموقع جغرافي أو تسمية بل تأتي بمسار تنموي مصاحب للتاريخ على مر العصور... لتنسج رواية تحكيها المدن.
كلمة أخيرة... غيب الموت الوجه الإعلامي المعروف «ليلى حسين» العيسى، والتي بدأت مسيرتها مع الدفعة النسائية الكويتية الأولى التي ذهبت للقاهرة للدراسة... ثم عملت مدرّسة للتاريخ حتى التحقت بوزارة الإعلام وكانت جزءاً لا يتجزأ من النخبة الإعلامية التي دفعت بالمسيرة الثقافية إلى الأمام... رحمها الله، وأسكنها فسيح جناته.