وجهة نظر: قرصنة ناقلات فنزويلا...!
تُعيد العقوبات الأميركية المفروضة على قطاع النفط الفنزويلي إلى الواجهة تساؤلات جوهرية حول فاعليتها، وحدود تأثيرها، ليس فقط على الاقتصاد الفنزويلي، بل على توازن أسواق الطاقة العالمية. فمنذ تشديد القيود، أصبحت صادرات النفط الفنزويلي تتحرَّك في مساحةٍ رمادية بين الاستثناءات الرسمية، وأساطيل الظل، وآليات تنفيذ غير مكتملة الوضوح، ما جعل أثر العقوبات متقلباً وغير مثبت.
على مستوى الصادرات، استهدفت العقوبات شحنات النفط الخام الثقيل، وهي العمود الفقري للإنتاج الفنزويلي. ورغم تسجيل أثرٍ نفسي محدود على خام برنت، قُدِّر بنحو 2 في المئة، فإن الأسواق العالمية لم تُظهر استجابةً سعرية حادة، نظراً لوجود فائض مخزونات عالمي، أو أن السوق اعتاد على التقلبات الجيوسياسية. كما أن تطبيق العقوبات البحرية، بما في ذلك محاولات اعتراض الناقلات، لا يزال انتقائياً، مع حوادث أثارت تساؤلات حول قدرة الولايات المتحدة على فرض حصارٍ كامل، كما ظهر في حادثة ناقلة «بيلا 1».
حالياً، تستمر استثناءات محدودة لشركة شيفرون بحدود 150 ألف برميل يومياً باستخدام ناقلات مصرَّح بها، إلا أن تأثير العقوبات على الإنتاج الفنزويلي قد يسلك مسارات متعددة. ففي حال التنفيذ الصارم، قد ينخفض المعروض بنحو 200 ألف برميل يومياً من مستوى 820 ألف برميل المسجل في نوفمبر، مع استمرار هذا الأثر حتى أوائل 2026. ومع ذلك، يُرجح أن يعقب ذلك تعافٍ جزئي عبر حلول بديلة، ليصل القطاع إلى توازن جديد عند مستويات إنتاج أدنى من مرحلة ما قبل الحصار.
الخطر الأكبر لا يكمن في النفط الخام بحد ذاته، بل في المشتقات المستوردة، خصوصاً النفثا القادمة من روسيا وإيران، والتي تُعد ضرورية لإنتاج النفط الثقيل وتصديره. فمحدودية المطورين بعد سنوات من الانتكاسات التشغيلية تجعل أي تعطُّل في تدفق هذه المخففات سبباً محتملاً لانخفاضٍ حاد وطويل الأمد في الإنتاج.
على الصعيد العالمي، تأتي هذه التطورات في وقت تعاني الأسواق فائضاً في المعروض. فبينما ترى «أوبك» أن السوق متوازنة، تشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى فائض يتجاوز 3.5 ملايين برميل يومياً. وحتى في السيناريو المتطرف، المتمثل بإزالة جميع الصادرات الفنزويلية، فإن فائض العرض في الربع الأول من 2026 لن ينخفض سوى من 3.7 إلى 3.1 ملايين برميل يومياً، وهو مستوى لا يزال ضاغطاً على الأسعار. كما أن أي حصارٍ كامل يستمر شهراً أو شهرين سيكون أقل حدةً مما تُوحي به المخاطر النظرية، خصوصاً مع ارتفاع التخزين العائم عالمياً على المدى القصير.
أما بالخليج، فإن احتمال فرض حصار بحري أميركي شامل يظل ضعيفاً، نظراً لتعقيداته الجيوسياسية، وتضارب مصالح دول «أوبك». ورغم تعدُّد المنافذ خارج مضيق هرمز، الذي لا يزال ممراً لنحو 25 في المئة من الإنتاج العالمي، فإن إغلاقه سيضر بالولايات المتحدة نفسها وحلفائها، وقد تستفيد منه روسيا أكثر من غيرها. وبالنسبة لقطر، بوصفها أكبر مصدر للغاز المسال بديل للنفط، فإن استقرارها النسبي قد يحول الضغوط إلى فرصةٍ لإعادة ترتيب الأسواق، بدلاً من تهديد الإمدادات، بشرط مرور ناقلاتها من المضيق!
في المحصلة، سرَّعت العقوبات انكماش الاقتصاد الفنزويلي، وأضعفت قطاع النفط، محوِّلة أزمة مالية إلى أزمة اقتصادية– اجتماعية شاملة، مع تعافٍ محدود يظل مشروطاً بتخفيف القيود وعودة الاستثمار.
أما عالمياً، فإن التأثيرات تبقى محكومة بفائض المخزون، ما يرجح استمرار التقلبات ضمن نطاقات مضبوطة، لا صدمات سعرية كبرى.
* خبير واستشاري نفط