هبوط جماعي لأسعار المعادن النفيسة... والفضة تهوي بأكثر من 4.5%
بسبب جني أرباح وانخفاض الطلب على الملاذ الآمن نتيجة لتراجع التوترات الجيوسياسية
تراجعت أسعار المعادن النفيسة، اليوم، إذ انخفضت الفضة بعد أن تجاوزت 80 دولاراً للأوقية (الأونصة) في وقت سابق من اليوم، وتراجعت أسعار الذهب عن مستوى قرب ارتفاع قياسي، مع جني المستثمرين الأرباح وانخفاض الطلب على الملاذ الآمن، نتيجة تراجع التوتر الجيوسياسي.
وانخفض الذهب في المعاملات الفورية 1.7 بالمئة بمقدار دولار للأوقية، بعد أن سجل مستوى قياسياً مرتفعا بلغ 4549.71 دولاراً يوم الجمعة. وتراجعت العقود الأميركية الآجلة للذهب، تسليم فبراير، 1.2 بالمئة بواقع دولار للأوقية. وهبط سعر الفضة في المعاملات الفورية 4.6 بالمئة إلى 75.47 دولاراً للأوقية، بعد أن سجل أعلى مستوى على الإطلاق عند 83.62 دولاراً في وقت سابق من الجلسة.
وقال كبير محللي السوق في شركة كيه. سي. إم تريد، تيم ووترر: «أدى مزيج من عمليات جني الأرباح والمحادثات التي تبدو مثمرة بين ترامب وزيلينسكي بشأن اتفاق سلام محتمل إلى تراجع الذهب والفضة».
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأحد إنه والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي «يقتربان كثيراً، وربما يكونان قريبين جداً» من التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وحققت الفضة مكاسب بلغت 181 بالمئة منذ بداية العام، متفوقة على الذهب، ومدفوعة بتصنيفها ضمن قائمة المعادن الأميركية الحرجة وشُحّ المعروض وانخفاض المخزونات وسط ارتفاع الطلب الصناعي والاستثماري.
وسجل الذهب أيضاً مكاسب قوية في 2025، مرتفعاً 72 بالمئة حتى الآن ليحطّم العديد من المستويات القياسية. وساهمت مجموعة من العوامل في ارتفاع الذهب، منها التوقعات بمزيد من الخفض لأسعار الفائدة الأميركية والتوتر الجيوسياسي والطلب القوي من البنوك المركزية وارتفاع الحيازات في الصناديق المتداولة بالبورصة.
وهوى البلاتين في المعاملات الفورية 6.2 بالمئة بواقع دولار، بعد أن سجل أعلى مستوى على الإطلاق عند 2478.50 دولاراً في وقت سابق من الجلسة، وهبط البلاديوم 11.4 بالمئة إلى دولار للأوقية.
وأشار تقرير لوكالة بلومبرغ إلى أن ضعف الدولار وتصاعد التوترات الجيوسياسية ساهم في زيادة جاذبية المعادن النفيسة خلال موجة صعودية في نهاية العام، التي شهدت أيضاً ارتفاعاً قياسياً في أسعار الذهب والبلاتين والبلاديوم، وسط حالة «FOMO»، أو الخوف من فوات الفرصة في الأسواق، مع توقعات متشائمة بشأن الدولار.
التقلبات الحادة تزامنت مع تعليق لإيلون ماسك، خلال عطلة نهاية الأسبوع، سلّط الضوء على تزايد إقبال المستثمرين على المعادن النفيسة. ورد ماسك على تغريدة حول القيود الصينية على الصادرات قائلاً: «هذا ليس جيداً. الفضة ضرورية في العديد من العمليات الصناعية».
وتُعد الإجراءات الصينية استمراراً فعلياً لسياسات سابقة، وقد أعلنت عنها وزارة التجارة لأول مرة في 30 أكتوبر. ورغم أن الصين تُصنّف ضمن أكبر 3 منتجين للفضة عالمياً - كمنتج ثانوي للمعادن الصناعية في الغالب - فإنها أيضاً أكبر مستهلك لها في العالم، وبالتالي فهي ليست مصدراً رئيسياً.
وقال المحلل في شركة تشاينا فيوتشرز، وانغ يانكينغ: «إن مناخ المضاربة قوي جداً»، مضيفاً أن أي نقاش حول تحركات بكين لتقييد الصادرات لا أساس له من الصحة، «هناك ضجة كبيرة حول شح المعروض الفوري، وقد بلغ الأمر حداً مبالغاً فيه الآن».
وتتخذ بعض البورصات إجراءات للحد من المخاطر، ووفقاً لبيان صادر عن مجموعة «سي إم إي»، تم رفع هوامش بعض عقود الفضة الآجلة في بورصة كومكس اعتباراً من اليوم، وهي خطوة قال وانغ إنها ستساعد في الحد من المضاربة.
ويختتم تسارع ارتفاع أسعار الفضة - حيث بلغت ذروتها مسجلةً أفضل أداء سنوي لها منذ عام 1951 - مسيرة صعود استمرت عاماً كاملاً للمعادن النفيسة. وقد تحققت هذه المكاسب بفضل ارتفاع مشتريات البنوك المركزية، وتدفقات الأموال إلى صناديق المؤشرات المتداولة، و3 تخفيضات متتالية في أسعار الفائدة من مجلس «الاحتياطي الفدرالي» الأميركي. ويعد انخفاض تكاليف الاقتراض عاملاً مساعداً للسلع، التي لا تدرّ فوائد، ويتوقع المتداولون المزيد من تخفيضات أسعار الفائدة عام 2026.
فقاعة الفضة
وقال محلل الأسواق في شركة آي جي أستراليا، توني سيكامور: «لا شك في أننا نشهد فقاعة تاريخية في سوق الفضة، فمع استغراق تطوير مناجم جديدة ما يصل إلى 10 سنوات، وانجذاب رؤوس الأموال إلى فقاعة المعادن النفيسة كالفراشات إلى اللهب، يستحيل التنبؤ بموعد انتهاء هذه الفقاعة».
وفي الأسبوع الماضي، ساهمت التوترات في فنزويلا - حيث فرضت الولايات المتحدة حصاراً على ناقلات النفط - والضربات التي شنتها واشنطن على تنظيم الدولة الإسلامية في نيجيريا بتعزيز جاذبية المعادن النفيسة كملاذ آمن. وانخفض مؤشر بلومبرغ للدولار الفوري، وهو مؤشر رئيسي لقوة العملة الأميركية، بنسبة 0.8 بالمئة الأسبوع الماضي، مسجلاً أكبر انخفاض أسبوعي له منذ يونيو. وعادةً ما يدعم ضعف الدولار أسعار المعادن النفيسة.
الفضة أفضل من الذهب
وتفوقت الفضة على الذهب خلال الأسابيع الأخيرة لعدة أسباب، أولها أن سوقها أقل سيولة، مما قد يؤدي إلى تبخّر السيولة بسرعة، فبينما يدعم سوق الذهب في لندن احتياطيات من السبائك بقيمة 700 مليار دولار تقريباً، يمكن إقراضها في حال حدوث نقص حاد، لا يوجد احتياطي مماثل للفضة. وقد حدث هذا النقص التاريخي بالمعروض في أكتوبر، وشهدت خزائن لندن تدفقات كبيرة منذ ذلك الحين.
وقد أدى هذا إلى نقص في أماكن أخرى، ففي الصين، وصلت مخزونات الفضة في المستودعات المرتبطة ببورصة شنغهاي للعقود الآجلة الشهر الماضي إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2015.
وإضافة إلى ذلك، لا يزال جزء كبير من الفضة المتاحة في العالم موجوداً في نيويورك، بانتظار نتائج تحقيق وزارة التجارة الأميركية حول ما إذا كانت واردات المعادن الحيوية تشكّل خطراً على الأمن القومي. وقد يمهّد هذا التحقيق الطريق لفرض تعريفات جمركية.
وعلى عكس الذهب، تتمتع الفضة أيضاً بالعديد من الخصائص المفيدة في الواقع العملي، مما يجعلها عنصراً قيّماً في مجموعة واسعة من المنتجات، مثل الألواح الشمسية ومراكز بيانات الذكاء الاصطناعي والإلكترونيات. ومع اقتراب المخزونات من أدنى مستوياتها المسجلة، يلوح في الأفق خطر نقص الإمدادات، الأمر الذي قد يؤثر على قطاعات صناعية متعددة.
وقال سايكامور: «كان المحرّك الرئيسي أخيراً هو اختلال هيكلي حاد في توازن العرض والطلب على الفضة، مما أدى إلى تهافت كبير على المعدن المادي. يدفع المشترون الآن علاوة ملحوظة بنسبة 7 بالمئة للتسليم الفوري مقارنةً بالانتظار لمدة عام».
وتشير المؤشرات الفنية إلى أن ارتفاع أسعار الفضة ربما كان مفرطاً وسريعاً للغاية، فقد سجل مؤشر القوة النسبية للفضة على مدى 14 يوماً قراءة تتجاوز 76، متجاوزاً مستوى 70، الذي يعتبر مؤشراً على ذروة الشراء.
وقال كبير محللي السوق في شركة كيه. سي. إم تريد، تيم ووترر: أدى مزيج من عمليات جني الأرباح والمحادثات التي تبدو مثمرة بين ترامب وزيلينسكي بشأن اتفاق سلام محتمل إلى تراجع الذهب والفضة.
وقال رئيس شركة تارجت للاستثمار، نورالدين محمد، إن التراجعات الحالية في أسعار الفضة، والتي تأتي في إطار عمليات جني أرباح بنسب تتراوح بين 4 و5 بالمئة، وقد تمتد إلى 6 أو 7 بالمئة، تُعد أمراً طبيعياً بعد الارتفاعات القوية الأخيرة، وتمثّل في الوقت ذاته فرصة مناسبة للشراء.
وأوضح، في مقابلة مع «العربية Business»، أن الفضة سجلت صعوداً حاداً بلغ نحو 10 بالمئة في جلسة واحدة يوم الجمعة الماضي، مدفوعة بإعلان الصين عزمها فرض قيود على صادرات الفضة بدءًا من يناير المقبل. وأشار إلى أن الصين تُعد ثاني أكبر مصدّر للفضة عالمياً بعد هونغ كونغ، بحصة تقترب من 10 بالمئة من إجمالي المعروض العالمي، والمقدر بنحو 4000 طن، وهو ما كان كافياً لدفع الأسعار إلى مستويات مرتفعة في وقت قصير.
وأضاف أن تحقيق المستثمرين مكاسب تتراوح بين 4 و5 بالمئة خلال 24 ساعة فقط يجعل من الطبيعي جداً حدوث عمليات جني أرباح، مؤكداً أن هذه التحركات لا تعكس ضعفاً في الاتجاه العام للسوق، بل تصحيحاً صحياً يمكن استغلاله في بناء مراكز شرائية جديدة، سواء خلال الجلسة الحالية أو لاحقاً.
الفضة لا تزال الحصان الأسود لعام 2026
وفيما يتعلق بالمفاضلة بين الاستثمار في الذهب أو الفضة خلال الفترة المقبلة، قال محمد إن الفضة مرشحة لتكون «الحصان الأسود» للأسواق خلال عام 2026، مع احتمالية تفوّق أدائها على الذهب، مشيرًا إلى أن السوق لا يزال يمتلك مساحة إضافية لصعود أسعار الفضة، لا سيما في ظل استمرار نقص المخزونات العالمية للسنة الخامسة على التوالي، مع احتمالات استمرار هذا العجز خلال السنوات المقبلة.
وأوضح أن النسبة الاستثمارية المعقولة حاليًا تتمثل في شراء 3 إلى 4 أونصات من الفضة مقابل كل أونصة ذهب، لكنه شدد في الوقت نفسه على ضرورة مراقبة نسبة الذهب إلى الفضة، وانتظار تراجع أسعار الفضة أو ارتفاع أسعار الذهب، حتى لا يحدث اختلال في هذه النسبة. وأكد أن المستويات المثالية للتوازن تكون عندما تصل النسبة إلى ما بين 60 و65 أونصة فضة مقابل أونصة ذهب واحدة.