التكرار لا يعلّم الشطّار
التكرار، كما يُقال، يعلّم الشطّار. غير أن المشكلة في الحالة الكويتية ليست في غياب التكرار، بل في غياب الشطّار أنفسهم. فمنذ عقود، يواصل تقرير "الشال" تكرار التحذيرات ذاتها، والنصائح ذاتها، بل واللغة ذاتها، من دون أن يظهر مسؤول واحد يتعلّم أو يُنصت أو يترجم هذا التكرار إلى فعل وسياسة.
يقول التقرير بوضوح لا يحتمل التأويل:
الأولوية يجب أن تكون لخفض معدلات نزوح الاستثمار المحلي المباشر. الكويت هي الأكثر إدماناً على النفط، باقتصاد غير منتج وغير مستدام، ومالية عامة غير مستدامة، وميزان عمالة مواطنة غير مستدام. ويعود التقرير ليكرر الحقيقة المؤلمة نفسها: تواضع شديد في تدفقات الاستثمار الأجنبي، وغموض كامل حول دور هذه الاستثمارات في خلق فرص عمل مواطنة مستدامة.
ومع ذلك، لم تعد هذه القضايا تثير أدنى قدر من القلق لدى المسؤول. لم يسأل نفسه يوماً: لماذا يهرب المستثمر المحلي من الدولة؟ لماذا يبحث عن فرصه في الإمارات والسعودية والبحرين وعُمان وقطر؟ لماذا تُصنع العراقيل، وتُفخخ الإجراءات، وتُرفع المتاريس البيروقراطية في وجه المستثمر الوطني حتى يُدفع دفعاً إلى الخارج؟
ثم يأتي السؤال الأكبر: لماذا أصبحت البيئة الاستثمارية طاردة للمستثمر الأجنبي؟ لماذا ينعقد حاجبا المسؤول لمجرد سماع كلمة «أجنبي»؟ أم أن المشكلة أعمق، وأن هذا المسؤول – أو اللامسؤول – لا يدرك أصلاً معنى البيروقراطية المهترئة التي نخضع لها؟ تواقيع لا تنتهي، تصاريح متشابكة، موافقات أمنية، مراجعات تخضع للمزاج لا للقانون، ولوائح لا يعرف المستثمر من أين يبدأ بها ولا أين تنتهي.
وإذا افترضنا أن مستثمراً أجنبياً تمكن من اجتياز هذا الحقل الملغّم، فإن السؤال الذي يطرحه تقرير "الشال" يبقى بلا إجابة: كم فرصة عمل مواطنة مستدامة سيوفرها هذا الاستثمار؟ وماذا نعرف فعلياً عن فرص العمل التي سيخلقها مشروع ميناء مبارك الكبير، ذلك المشروع الذي غطّت صوره الملوّنة صفحات الصحف، وكأن الحكومة اكتشفت مجرة جديدة؟ حديث متخم بالإنجازات عن ميناء بحري «جبار»، بينما الميناء الجوي – المطار – يلفه الغموض: متى ينتهي؟ هل هناك أخطاء في التنفيذ؟ مَن سيتولى إدارته؟ لا أحد يعلم.
إلى أين نمضي بهذا النهج؟ اقتصاد معطّل، وسياسة في إجازة مفتوحة منذ عقود. والتقارير تستمر في التكرار، بينما الواقع يصرّ على الجمود، وكأن الرسالة تُكتب دائماً... لكن من دون قارئ.