حرمة الوطن لا تزول مع الزمن
بعد يومين، أي الـ 30 من ديسمبر، يوافق الذكرى الرابعة والستين لانتخابات المجلس التأسيسي في عام 1961، الذي أراد له عبدالله السالم أن يضع دستوراً لدولة الكويت، فبالإضافة إلى أحد عشر وزيراً من الأسرة الحاكمة ضم المجلس عشرين عضواً فازوا بالانتخابات وهم: عبدالعزيز الصقر، حمود الخالد، عبداللطيف الغانم، أحمد الخطيب، يعقوب الحميضي، أحمد الفوزان، محمد النصف، محمد رفيع معرفي، يوسف المخلد المطيري، سعود العبدالرزاق، منصور المزيدي، نايف الدبوس، خليفة الجري، سليمان الحداد، عبدالله اللافي الشمري، عباس مناور، عبدالرزاق أمان، محمد وسمي السديران، علي الأذينة، مبارك الحساوي. وترأسه عبداللطيف الغانم ونائبه أحمد الخطيب، وشكّلوا لجنة إعداد الدستور وقدموه إلى الأمير خلال نوفمبر في العام الذي يليه.
تعمدنا ذكر جميع الأعضاء لكي يشجو القارئ بأسمائهم، مقارنة بالمجالس الأخيرة، وليتساءل كيف لهؤلاء أن يتآلفوا مع بعضهم ببيعة مع الحاكم لتربطهم علاقة الأسرة الواحدة رغم التنوع العرقي والمذهبي من حضر وقبائل، وسنة وشيعة، وعرب وعجم؟ أطياف تناغمت في قبلة وشرق والوسط والجهراء وبوحليفة وفيلكا ومناطق أخرى حتى كان اليهود من بين جيرانهم! كل هؤلاء جمعتهم أصالة المنشأ ونقاء الانتماء إلى هذه الأرض وعراقة الهوية الوطنية.
لقد كانت الشورى مبدأ متجذراً بينهم، من مجالس تشريعية في الثلاثينيات ثم التأسيسي الذي ذكرناه بالستينيات ثم مجلس الأمة. ورغم ما مرت به الحركة السياسية من أزمات كانت الشراكة الاجتماعية واللحمة الوطنية أقوى من أن يقوضها شيء، فبالأمس أيضاً مرت الذكرى السابعة والثمانون لانتخابات المجلس التشريعي الثاني 1938 في عهد أحمد الجابر، والذي ترأسه عبدالله السالم، ثم واجه تحدياً تطور إلى حله، وهو ما لم يقبله بعض الوطنيين، فحدثت أزمة أوقفتها السلطة بحزم أدى إلى قتل محمد المنيس ومحمد القطامي وسجن مَنْ سُجن عدة سنوات. ولعل اللافت للنظر في هذا التاريخ العريق أن الكويتيين الأصليين كانت لديهم بيعة واحدة للأسرة رغم هذا الحراك، فبعد مرور ثلاثة وعشرين عاماً على أحداث أزمة 1938 لم يتوانَ الوطنيون عن الاستجابة لدعوة عبدالله السالم لإنشاء المجلس التأسيسي الذي كان نواة مجلس الأمة كما ذكرنا في البداية.
وها نحن اليوم نعيش منعطفاً شبيهاً بحقبة عبدالله السالم، يلتف فيه الكويتيون حول قيادتهم لإنقاذ ذلك التاريخ المجيد الذي بناه الأجداد بدءاً بتعليق مجلس أمة هوى بالبلاد في قاع سحيق من الفساد، وشوّه برلماناً خسر لأجله الوطنيون أرواحهم، لننصدم اليوم بخبر تزوير حتى ملفات نواب سابقين في مجلس كان يُفترَض به الرقابة وإصدار التشريعات، غير أنه تحول إلى قاعة للتجاوزات وانتهاك الدستور والاستيلاء على المال العام وتحريف الهوية الوطنية ومساومة حكومات العهد السابق لتجنيس مَنْ لا ينتمون إلى هذه الأرض حتى وصلت مطالباتهم بأربعة آلاف جنسية سنوياً، وإنشاء لجنة للمقيمين بصورة قانونية تحت قبة البرلمان الكويتي.
لقد جاء سمو أمير البلاد مشكوراً ليعيد رسم التاريخ وتنقيحه من كل شائبة، فلا حصانة لقرار خاطئ وإن مرت المدة القانونية، ولا تقادم لمعصية ارتكبت بتزوير جنسية، فهناك حرمة للثوابت دائمة وحرمة للأرض والمال العام، وهناك حرمة للوطن لا تزول مع الزمن.
***
إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي.