فتاوى متشددة... في الكويت
كانت أخطر فتوى في تاريخ الكويت، يقول د. طلال سعد الرميضي: «هي فتوى إهدار دم ثلاثة من أهل الكويت، وهي بمنزلة ثمن لدخول الجنة بغير حساب، وهذه الفتوى الشاذة صدرت من أحد رجال الدين المتشددين في العشرينيات من القرن الماضي، والثلاثة المقصودون هم الشيخ يوسف القناعي والشاعر صقر الشبيب والشيخ عبدالعزيز الرشيد، إلا أنها لم تجد آذاناً لها» (الفتاوى والمفتون في الخليج، مجموعة باحثين، كتاب المسبار، 2014، ص 116).
ويذكر د. الرميضي أسماء مفتين آخرين من الكويت، كما كان البعض يستفتي شيوخاً خارج الكويت، وخاصة من زار الكويت، ومنهم العالم العراقي عبدالرحمن السويدي، إثر هروبه من مرض الطاعون الذي أصاب بغداد، فزار الكويت عام 1778م، ويقول الشيخ رشيد رضا عندما زار الكويت عام 1912، وألقى خطاباً في أكبر مساجد البلد، كان «يكتظ الجامع بالناس»، ومن الذين زاروا الكويت الشيخ إبراهيم بن حمد بن جاسر، وأقام بها حتى وفاته سنة 1918، ومنهم الشيخ محمد عبدالكريم الشبل، أستاذ الشيخ عبدالله الخلف، وقاضي الزبير الشيخ عبدالمحسن أبابطين الذي كانت له زيارات كثيرة للكويت، واستقر فيها حيناً من الزمن، وبالطبع الشيخ حافظ وهبة والشيخ محمد أمين الشنقيطي وهما ممن عمل بالمدرسة المباركية.
ولعل أبرز الفتاوى التي انتشرت في مطلع القرن العشرين، كانت حول جواز ممارسة الغوص أثناء شهر رمضان الفضيل، حيث تعد مهنة الغوص لتحصيل اللؤلؤ المهنة الرئيسية لأهل الكويت في مجتمع ما قبل النفط... «وثار خلاف فقهي أثناء موسم الغوص على اللؤلو في صيف عام 1912، فهل يصومون أيام هذا الشهر وهم يغوصون في أعماق البحر وسط مشاقه أم يفطرون بداعي السفر ثم يصومون أياماً بعد رحيله». وكان علماء الدين في الكويت، يقول د. الرميضي، قادرين على الإجابة عن السؤال الفقهي، ولكن المستفتين «أرادوا رفع الحرج عنهم، لكون الموضوع يهم شريحة كبيرة في المجتمع، وقد يسبب الرأي الذي يبدونه خسائر مالية كبيرة لأصحاب السفن الشراعية». (ص 126)
وازداد الموقف إثارة وتعقيداً عندما أفتى العلماء بحرمة الغوص على اللؤلؤ خلال شهر رمضان، ومنهم العلامة الألوسي من العراق الذي أجاب الشيخ عبدالله الدحيان في رسالة بتاريخ 26/6/1912 «بعدم جواز الغوص أثناء شهر رمضان». وأفتى خطيب آخر الشيخ محمد سعيد «بأن الواجب على سفن الغوص أن ترجع إلى بلدتها وتصوم رمضان كاملاً، وعلى علماء الدين أن يعظوهم، وعلى ولي الأمر أن يجبرهم على ذلك».
ولم يكن جواب علامة الشام الشيخ عبدالقادر بن بدران الدمشقي أكثر مرونة عام 1916 في موضوع قصر الصلاة أثناء مواسم الغوص - وقد أفتى بن بدران بأن حكمهم في أسفارهم بحثاً عن اللؤلؤ في المغاصات وسط البحار كحكم منتجي الغيث، أي طالبي العشب والكلأ ومساقط الغيث يتجولون في الأرض لا يقصدون مكاناً معيناً، لذا لا تقصر صلاتهم. (الفتوى والمفتون، ص 127)
ومن المسائل التي شملتها مراسلات الشيخ عبدالله خلف الدحيان مع الشيخ بدران الدمشقي ما يقارب الثلاثين سؤالاً، يقول د. الرميضي: «منها ما يتعلق بأحكام الأوراق المالية، والتعامل بنقود الكفار، وزكاة صكوك الديون، والتعامل بالتلغراف والتلفون، وتوضيح فرق أهل السنة وبيان الفرقة الناجية على القول الحق، وغسل النجاسة، ولبس المطرز بالذهب أو الفضة، وتعدد الجمعة لضيق المسجد، ومعنى الطلاق الثلاث المحرم للزوجة، وغيرها من المسائل التي كان بعضها مستحدثاً في المجتمع الكويتي آنذاك». (ص 128)
ويضيف: «ومن المسائل التي تعكس طبيعة المجتمع الكويتي هذه الفتوى التي وردت إلى الشيخ عبدالعزيز الرشيد في هيئة سؤال من أحد أبناء البادية حول جمل أصيب بمرض وأشرف على الهلاك فقام برميه بالرصاص لأنه لم يملك ما ينحره به، فكتب الرشيد أيضاً رسالة إلى العلامة الشيخ عبدالقادر بن بدران الدمشقي في عام 1331هـ يطلب فتواه حولها، وقد أفاض العلامة الدمشقي في إجابته، وذلك في رسالة علمية طبعت في حياته بالمكتبة السلفية بدمشق في سنة 1339 هـ».