اقتصاديون لـ الجريدة.: زيادة رسوم الضمان الصحي عبء جديد يضغط على الصناعة والقطاع الخاص
• اعتبروها بمثابة اختبار جديد لقدرة السوق على الصمود... والشركات ستدفع الثمن
• أكدوا أن الزيادات ستكون لها تداعيات اقتصادية واجتماعية كبيرة وقد تتسبب في هجرة العمالة
ويطرح القرار تساؤلات مشروعة حول مدى اتساقه مع التوجه الحكومي المعلن نحو الانفتاح الاقتصادي، وإطلاق المشاريع الكبرى، وتنفيذ رؤية «كويت جديدة 2035»، إضافة إلى السعي لجذب الاستثمارات والسياحة وتنشيط الحركة الاقتصادية، إذ يرى اقتصاديون أن رفع كلفة الإقامة والعلاج الصحي على المقيمين قد يبعث برسائل سلبية للأسواق الخارجية، ويضعف من تنافسية بيئة الأعمال، ويؤثر على قرارات المستثمرين والشركات، خصوصاً تلك التي تعتمد على عمالة وافدة كثيفة.
ويحذر الخبراء الاقتصاديون، في حديثهم مع «الجريدة»، من أن الزيادة الحادة في رسوم الضمان الصحي ستنعكس مباشرة على الكلفة التشغيلية للقطاع الخاص، ما قد يدفع الشركات إلى تمرير هذه الزيادة على أسعار السلع والخدمات، أو اللجوء إلى تقليص العمالة، أو تأجيل خطط التوسع والاستثمار، خصوصاً أن هذه الزيادة تأتي في ظل تراجع ملحوظ في القوة الشرائية، وارتفاع متواصل في تكاليف الإنتاج، من إيجارات القسائم الصناعية إلى أسعار الخدمات والطاقة، ما يشكل ضغطاً مركباً على دورة الاقتصاد والاستهلاك.
ولا تقتصر التداعيات على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تمتد إلى البعد الاجتماعي وتركيبة الوافدين، حيث يُتوقع أن تدفع هذه الزيادات بعض الفئات، لاسيما الأسر، إلى إعادة النظر في الاستمرار داخل البلاد، أو البحث عن فرص بديلة في أسواق إقليمية أقل كلفة، وسط تأكيد على أن أي تغيير غير مدروس في تركيبة العمالة قد يكون له تداعيات اجتماعية، وينعكس على قطاعات حيوية تعتمد على خبرات وفئات معينة من الوافدين، ويؤدي إلى خلل في سوق العمل.
وفي المقابل، لا ينكر الاقتصاديون حق الدولة في إعادة تنظيم منظومة الرسوم وترشيد الإنفاق العام، خصوصاً في ملف علاج الوافدين، إلا أنهم يشددون على أن نجاح أي إصلاح مالي يبقى مرهوناً بوجود رؤية اقتصادية متكاملة، ودراسات أثر واضحة، توازن بين تحقيق وفورات مالية للدولة، والحفاظ على استقرار القطاع الخاص، وعدم الإضرار بالمستهلك أو البيئة الاستثمارية.
ويبقى السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه: هل سبق قرار رفع رسوم الضمان الصحي إعداد دراسة فنية واقتصادية عميقة تقيس آثاره المالية والاقتصادية والاجتماعية على المدى القصير والمتوسط والطويل؟ أم أنه جاء كإجراء منفرد يحقق وفراً آنياً، مقابل كلفة اقتصادية أوسع قد تتجاوز حصيلته المالية؟
أثار قرار رفع رسوم الضمان الصحي على العمالة الوافدة موجة واسعة من التحفظات في الأوساط الاقتصادية والصناعية، وسط تحذيرات من انعكاساته المباشرة وغير المباشرة على القطاع الصناعي، والخاص عموماً، وعلى القدرة التنافسية للمنتج الوطني، في توقيتٍ دقيق يشهد السوق المحلي تراجعاً في القوة الشرائية، وارتفاعاً في تكاليف التشغيل، وتنامي الأعباء المفروضة على أصحاب الأعمال.
ورأى خبراء اقتصاديون، في أحاديث متفرقة مع «الجريدة»، أن هذه الزيادات إذا لم تُقابل بحزمة إصلاحات وتحفيزات موازية فإنها ستتحوَّل إلى ضغطٍ إضافي يخنق الصناعة، ويُضعف قدرة المصانع والشركات المحلية على الاستمرار والمنافسة، مؤكدين أن تحميل القطاع الخاص كُلفة الزيادة التشغيلية بشكلٍ مباشر سيقود تلقائياً إلى رفع أسعار المنتجات والخدمات، أو إلى تقليص العمالة والاستثمارات، بما ينعكس سلباً على دورة الاقتصاد والاستهلاك، ويفتح الباب أمام تراجع مكانة المنتج الوطني أمام السلع المستوردة المدعومة من دولها.
وأعربوا عن مخاوفهم من تأثير القرار على قطاعات أخرى مرتبطة بالصناعة، كالعقار الاستثماري والتجاري، والشركات المرتبطة بعقود ومناقصات حكومية تعتمد على عمالةٍ كثيفة، فضلاً عن تداعيات اجتماعية محتملة تمس فئات واسعة من الوافدين وأسرهم.
وفي مقابل الإقرار بحق الدولة في إعادة تنظيم منظومة الرسوم والضرائب وتعزيز كفاءة الإنفاق العام، شدد المتحدثون على أن أي قرارات من هذا النوع يجب أن تأتي ضمن رؤية اقتصادية واضحة ومتكاملة، تحدد شكل الاقتصاد المُراد، وتراعي التوازن بين متطلبات الإصلاح المالي واستدامة القطاع الخاص، وتُبنى على دراسات أثر شاملة اقتصادياً واجتماعياً، لا أن تُفرض بشكلٍ منفرد ومفاجئ، وسط إجماع على أن نجاح أي إصلاحٍ مالي يبقى مرهوناً بقدرة الدولة على توفير بيئة أعمال مستقرة، وتقديم محفزات حقيقية للصناعة، وتنسيق القرارات بين الجهات المختلفة، بما يضمن استمرار عجلة الإنتاج، وحماية المستهلك، والحفاظ على التوازن الاجتماعي والاقتصادي في الدولة.
حصافة وشمولية
وفي هذا السياق، وعن قرار زيادة رسوم التأمين الصحي على المقيمين في الكويت، وأثره السلبي على الاقتصاد المحلي والتضخم، قال جاسم السعدون: «لابد من البدء بأن من حق الدولة أن تفرض وتعدل مستويات الرسوم والضرائب»، لافتاً إلى أن ذلك حق سيادي، لكنه يجب أن يكون مشروطاً بحصافة وشمولية دراسة تأثيراتها الإيجابية والسلبية، بدءاً بالأثر المالي، ومروراً بآثارها الاقتصادية والاجتماعية.
وأشار إلى أن أول شروطها، أن تكون حكومية كاملة متسقة مع مشروع الدولة الاقتصادي، وليست صادرة عن أي جهة حكومية منفردة ومفاجئة ومذيلة بالنفاذ الفوري، مشيراً إلى أنه «في رسوم الخدمات الصحية اقتصر مبرر تسويقها على جباية 200 مليون دينار، أو أقل من 5 في المئة من العجز المالي المقدَّر للموازنة الحالية، وسوف أقبل الرقم كما هو، رغم غياب تفاصيله، فيما تأثيره المباشر سوف يشمل مئات الألوف من البشر، ما يفقده توازن الإيجاب مع السالب لمصلحة الأخير».
ولفت السعدون إلى أنه في الجانب الاقتصادي، سوف يترك آثاراً سلبية أكبر، ففي وقت تشهد البلاد انحساراً في الإنفاق الاستهلاكي، مع تنامي القلق على المستقبل، سوف يُعمِّق مثل هذا القرار العزوف عن الاستهلاك، ويرفع تكلفة ولوج الاستثمارات الجديدة، ما يؤدي إلى تأثيرٍ سلبي لاحق على الانسحاب من استثمارات قائمة، منوهاً إلى أن هناك حاجة إلى متابعة مؤشر أعداد الإفلاسات والإغلاقات الجديدة، فالاحتمال الأكبر هو تزايدها، ووقعها قد يكون أكبر على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ولاحقاً قد يمتد الأثر، ليشمل القطاع العقاري، وتحديداً الاستثماري والتجاري بشقيه، تجارة التجزئة، والمكتبي، موضحاً أنه على المستوى الاجتماعي، قد يتعارض مع تشريعات الالتحاق بعائل المتساهلة الجديدة، وربما يؤدي إلى نزوح بعض العائلات، وللبُعد الاجتماعي آثاره على الجانب المالي والاقتصادي.
وشدَّد السعدون على أنه لا بأس من تكرار ما ذكر في المُقدمة، يبقى تعديل منظومة الضرائب والرسوم أمراً مستحقاً، لكنه مشروط بتكامله مع مشروع عام للإصلاح المالي، وبمراعاة أن تفوق حصيلته على تكاليفه على كل مكونات الاقتصاد، إضافة إلى تداعياته الاجتماعية.
بدوره، قال رئيس مجلس إدارة شركة الصالحية العقارية غازي النفيسي إن للدولة الحق في طلب أو فرض زيادة مقابل الخدمات، التي تقدمها بهدف رفع إيراداتها وخفض مصاريفها، مشيراً إلى وجود التزامات مالية تتحمَّلها الدولة في هذا المجال. وفي وقت شدَّد على أن تأثير القرار سيكون سلبياً على القطاع العقاري وبقية القطاعات، أوضح أنه يُثقل كاهل القطاع الخاص، إذ من المتوقع أن يتحمَّل أصحاب الأعمال زيادة في المصاريف.
وبينما أشار النفيسي إلى أن القرار قد يدفع بعض الوافدين للتفكير في بدائل أخرى، أو حتى مغادرة الدولة والبحث عن فرصٍ في دول أخرى، ما قد يؤثر على نشاط القطاعات الاقتصادية ومستويات الاستهلاك ونسب الاشغال، أكد إمكانية وضع آلية تحقق هدف الدولة المرجو في زيادة الإيرادات من دون التأثير سلباً على القطاع الخاص أو تُسهم في تغيير تركيبة الوافدين الحالية.
قاعدة مهمة
بدوره، أكد رئيس مجلس الإدارة لشركة الاستشارات المالية والدولية القابضة «إيفا» صالح السلمي أن هناك قاعدة مهمة وضرورية باتت تحتاج إلى وضوح، وهي «ماذا نريد ويراد للاقتصاد، هل هو اقتصاد ريعي أم حر رأسمالي؟»، مشيراً إلى أن تحديد تلك الوجهة والفلسفة ستحدد كثيراً من التوجهات التي يعمل الجميع في إطارها.
وأوضح السلمي، في مشاركته بخصوص الزيادات المالية، أن تلك الخطوات سهلة ويسيرة، لكن يجب ألا تكون على حساب رفاهية المجتمع ومشاركة جميع القوى في اقتصاد البلد كله، متسائلاً: «هل المبالغ التي سيتم جنيها ستريح المالية العامة أم العكس؟»، ولفت إلى أن تحفيز وتشجيع فلسفة استثمار الأموال والفوائض المالية لدى الأفراد أكثر جدوى وتعتبر مكونا أساسيا في الاقتصاد.
وأكد أن المرحلة تتطلب خطة عمل واضحة تترجم على أساسها كل الأهداف، كما أن القطاع الخاص يملك كفاءة على إدارة الكثير والكثير من الملفات، بشرط أن يعطى الجو المناسب للعمل والمساحة الكافية من المساهمة، وأعرب عن أمله بأن يتم تخطي مرحلة التجارب، «وأن نصل إلى مرحلة الإنتاج الحقيقي التي تتخطى الاعتماد على بيع النفط وترجمته إلى دولارات ثم دينار، وأن يتقدم القطاع الخاص أكثر وبمساحة إنتاجية أقوى تعيد قدرته على توفير فرص عمل حقيقية ومنتجة أكثر وأوسع».
وأشار إلى أن الشكل الاقتصادي وتحديد هويته والتحسين المستمر لبيئة العمل ورفع فاعلية القطاع الخاص خطوات تضمن رفع الفرص الاستثمارية وتحسين المداخيل نتيجة المشاركة الجماعية، وترفع من مساحة الإنتاجية الحقيقية، موضحاً أن البدائل كثيرة لفرض الرسوم والضرائب في عملية هي بمنزلة انتقال الأموال من يد الأفراد للدولة.
من جهته، قال رئيس اتحاد الصناعات الكويتية، حسين الخرافي، بشأن ملف زيادة الرسوم الصحية الأخيرة: كنّا نتطلع إلى أن تكون هناك مراعاة للقطاعات المنتجة، ومنها القطاع الصناعي، أسوة بالخطوة التي اتخذتها المملكة العربية السعودية أخيراً بإلغاء جميع الرسوم على القطاع الصناعي في هذا الخصوص.
وتابع الخرافي: سبق أن تقدّم اتحاد الصناعات بمقترحات ومطالب، وكنّا نتطلع ونترقب أن يتم النظر فيها، وهي مطالب عادلة تستهدف تخفيف العبء والأكلاف عن المنتج، حتى لا يضطر المصنع أن يزيد ويرفع من التكلفة على المواطن، وهو ما لا ترغب فيه الدولة، ولتحقيق التوازن في تلك المعادلة، يجب ألا تكون هناك رسوم إضافية.
وذكر أنه بعد أن كانت هناك تطلّعات بإلغاء الرسوم المتمثلة في الـ 50 دينارا، تم زيادتها بنسبة 100 بالمئة، وأي زيادة في هذا الخصوص ترفع التكاليف على المصنّعين.
ودعا الخرافي إلى ضرورة أن تخضع أي زيادات في الرسوم لدراسة واقعية وعلمية تراعي العواقب والتداعيات الجانبية لها وآثارها السلبية، مشيرا إلى أن إقرار زيادة تحقق 200 مليون دينار قد نخسر مقابلها أكثر، مستغرباً مما تعتبره وزارة الصحة إنجازا!
وبينما تساءل: هل هناك دراسة، ولماذا 100 بالمئة وليست 60 أو 50 أو حتى 200 بالمئة؟ رأى الخرافي أن المبالغ الإضافية التي سترهق أصحاب المصانع يمكن توجيهها لزيادة الإنتاج، أو توظّف مواطنين أو أبحاث أو زيادة صادرات.
من ناحيته، قال الخبير الاقتصادي خالد بودي: «حسب تقديري لا يؤثر القرار سلباً على الاقتصاد المحلي، أما بالنسبة للوافدين فهو قد يؤثر على فئة محدودي الدخل منهم، وهؤلاء يمكن أن تقدم لهم الشركات التي يعملون فيها تأمينا صحيا، وذلك لرفع عبء تكاليف العلاج الصحي عنهم، ويحتاج الأمر إلى التنسيق مع الشركات التي يعمل فيها الوافدون محدودو الدخل لتوفير تأمين صحي لهم».
واضاف بودي: «أما بالنسبة لفئة متوسطي الدخل وأعلى من الوافدين فهنالك العديد من الشركات الخاصة التي تقدم لهم تأمينا صحيا، وبالنسبة لمن لا يتوفر لديهم تأمين صحي فالدولة تتحمل 80% من تكلفة العلاج الصحي لهم حسب القرار، وهذا الدعم لا تقدمه إلا القليل من الدول الأخرى، وفي معظم دول الخليج الوافدون يجب أن يكون لديهم تأمين صحي أو دفع مباشر مقابل الخدمات الطبية، وقد تتجه الدولة مستقبلا إلى اعتماد نظام التأمين الصحي بالنسبة لجميع العاملين في القطاع الخاص».
بين الايجابية والسلبية
وأكد عضو اتحاد الصناعات الكويتية خالد العبدالغني أن تأثير رفع رسوم التأمين الصحي على الوافدين العاملين في الشركات الصناعية يحمل تأثيرين متضادين، واصفاً القرار بأنه يجمع بين الايجابية المالية للدولة على المدى الطويل، والسلبية التشغيلية المباشرة على القطاع الصناعي والمستهلك.
وأضاف العبدالغني أن القرار سيشكل عبئاً لا يمكن إنكاره على المصانع المحلية، مشيرا إلى أن زيادة الرسوم ستؤدي بشكل تلقائي إلى رفع الكلفة التشغيلية للمنتج الوطني، وهو ما سينعكس بالضرورة على الأسعار النهائية للسلع في السوق.
وعدّد السلبيات التي تمتد لتشمل سوق العمل، حيث ستجد شركات القطاع الخاص نفسها مجبرة على إجراء تصحيح في الرواتب لرفع أجور العمالة الوافدة، نظرا لاستحالة تحمل العامل البسيط ذي الراتب المتدني رسوم التأمين الجديدة منفردا، مما يضاعف الأعباء المالية على أرباب العمل.
وحول الجانب الإيجابي من القرار، أوضح أن الجانب الإيجابي يتمثل في رفع العبء المالي الضخم عن كاهل الدولة، والذي يقدر بملياري دينار كانت تنفق سنوياً على علاج الوافدين، وتمهد هذه الرسوم الطريق لتفعيل دور شركة مستشفيات الضمان الصحي (ضمان)، مما سيؤدي في المستقبل إلى فصل القطاعات الصحية، بحيث يتفرغ القطاع الحكومي للمواطنين، بينما يتكفل القطاع الخاص التأميني بعلاج الوافدين، وهو ما يحقق مصلحة عامة رغم قسوة الإجراءات الأولية.
وأشار إلى أن تقبل الصناعيين لهذا الإصلاح المؤلم مرهون بتقديم الدولة محفزات مقابلة، مطالباً بتثبيت أو تخفيض إيجارات القسائم الصناعية ودعم تعرفة الكهرباء، لخلق توازن عادل بين توفير الأموال للدولة واستمرار دوران عجلة الإنتاج دون إضرار بالمستهلك.
وقال إن رفع الرسوم الصحية والتأمين على الوافدين جزء لا يتجزأ من خطة تصحيح المسار الاقتصادي، وهذا القرار رغم تأثيره المباشر على رفع الكلفة التشغيلية للمصانع والقطاع الصناعي فإنه يشكل ضرورة لوقف الهدر في ميزانية الدولة.
وذكر مطالب الصناعيين من الإيجارات والكهرباء قائلاً: «إن كنتكم وفّرتم مليارين من الرسوم فادعمونا بالكهرباء وخفض إيجارات القسائم، وهي معادلة شيء مقابل شيء»، مطالباً بتثبيت إيجارات القسائم مقابل تحمل الرسوم الجديدة
وحول اللغط المثار بشأن آلية الرسوم، كشف العبدالغني أن الرسوم الجديدة لا تذهب جميعها كإيرادات للدولة، موضحاً أن المخطط المستقبلي يشير إلى أن رسوم التأمين قد تصل إلى 130 ديناراً في المستقبل، سيذهب منها 120 ديناراً لشركة مستشفيات الضمان الصحي، وهي شراكة بين القطاعين العام والخاص، لتتولى هي علاج الوافدين بالكامل، بينما ستحصل الدولة على 10 دنانير فقط، مبيناً أن هذا التوجه سينقل ضغط علاج حوالي مليوني وافد من مستشفيات وزارة الصحة إلى قطاع التأمين الخاص (ضمان).
وفيما يخص تأثير هذه الرسوم على العمالة ذات الأجور المتدنية، توقع حدوث تصحيح تلقائي في سوق العمل، حيث ستضطر شركات القطاع الخاص إلى رفع الرواتب لتتناسب مع ارتفاع تكاليف المعيشة وفقاً لقانون العرض والطلب، وطالب الدولة بتقديم حوافز مقابلة للقطاع الصناعي لتعويض ارتفاع الكلفة قائلاً: «نتمنى من الدولة في المقابل أن تدعم المصانع في جوانب أخرى، مثل تعرفة الكهرباء أو تثبيت وتخفيض إيجارات القسائم الصناعية، لتحقيق التوازن بين الإصلاح الاقتصادي ودعم المنتج المحلي».
مجلس اقتصادي
بدوره، أكد رجل الأعمال حمد الصقر أنه بات من الضروري والملح إنشاء وتأسيس مجلس اقتصادي متخصص، يتولى عمليات مراجعة ودراسة وإصدار الرسوم والضوابط المالية التي ترغب الدولة في زيادتها أو إعادة تقنينها، مبينا أن بعض قرارات الزيادة تكون لها آثار سلبية وأخرى إيجابية، وهو ما يحتاج إلى دراسات عميقة وموائمة للوصول إلى أفضل النتائج، خصوصاً عندما تكون الزيادة مضاعفة بنسبة 100% كما حدث في ملف رسوم التأمين.
وأضاف الصقر أن من مكاسب ومحاسن إنشاء مجلس اقتصادي هو تنسيق القرارات بين مختلف الجهات، وبقرارات واضحة، ويكون المجلس معنيا بشرح الأسباب وآليات التنفيذ وانعكاساتها، وفي مثل هذه الملفات هناك حقوق لكل الأطراف، للدولة والمواطن والعامل، لافتا إلى أن هناك تساؤلات تحتاج إلى شرح وتوضيح في هذه الملفات التي تتضمن رسوما وكلفة بعضها يتحمله القطاع الخاص.
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي، عبدالرحمن الحمود أن قرار رفع الرسوم الصحية على الوافدين يشكّل جزءا من منظومة أعباء متصاعدة على القطاع الصناعي، مشيراً إلى أن المشكلة ليست في رفع رسم التأمين الصحي وحده، لاسيما أن منهم من يعمل في الصناعة، بل في تزامنه مع انخفاض القوة الشرائية بالسوق وزيادة إيجارات القسائم الصناعية.
واعتبر أن هذه العوامل السلبية مجتمعةً تشكّل حصار على الصناعيين الكويتيين، وأدت في نهاية المطاف إلى تراجع مكانة المنتج الوطني في السوق المحلي، وسط اشتداد المنافسة، واصفاً وضع الصناعة في الكويت حالياً بأنه «سيئ جداً»، ومعتبراً أن تراكم التكاليف أدى إلى تآكل القدرة التنافسية للمنتج الوطني.
وأوضح أن مبلغ الـ 100 دينار المتعلّق بزيادة الرسوم قد يبدو في ظاهره رقماً ثانوياً، إذا ما قورن بالتكاليف الأخرى، إلا أنه حين يُضاف إلى المشاكل الهيكلية الأخرى التي تعانيها الشركات الصناعية وغيرها من الشركات، يتحوّل إلى عبء أساسي، ومنها زيادة أسعار القسائم الصناعية ورفع الإيجارات.
وأشار إلى أن التحدي الأكبر الذي يواجه المصانع والشركات اليوم هو ازدواجية الأعباء، حيث تزامن رفع الرسوم الصحية مع قرارات برفع إيجارات القسائم الصناعية وكل أملاك الدولة من شاليهات ومصانع ومزارع، مما خلق ضغطا ماليا غير مسبوق على أصحاب الأعمال.
وحذّر الحمود من التأثيرات المباشرة على الشركات المرتبطة بمناقصات وعقود حكومية، لاسيما تلك التي تعتمد على كثافة عمالية كبيرة، مشيراً إلى أن هذه الشركات أصبحت محاصَرة بين التزاماتها التعاقدية وبين الارتفاع المفاجئ في كلفة التأمين الصحي للعمالة التي تلتزم بدفعها، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى رفع قيمة المناقصات مستقبلاً، أو إضعاف قدرة الشركات المحلية على التنافس الفني والمالي.
ولفت إلى أن القطاع الصناعي يعاني أصلاً انخفاضا حادا في القوة الشرائية داخل السوق المحلي، مما يجعل أي زيادة إضافية في التكاليف بمنزلة ضربة مزدوجة، حيث لا يستطيع المنتج المحلي الصمود أمام السلع المستوردة التي تحظى أحياناً بدعم أو حماية في بلدان المنشأ، بينما يفتقر المنتج الكويتي للحماية الكافية.
وضرب الحمود مثالاً بالتأثير على صناعات استراتيجية، مثل الصناعات الورقية، المنظفات، والصناعات الغذائية، مؤكداً أن زيادة التكلفة على هذه القطاعات تضطرها قسراً إلى رفع أسعارها على المنتج بالمحصلة النهائية، وهو ما يُفقدها القدرة التفاوضية والتنافسية في السوق.
وقال: «نأسف أن القطاع الصناعي في الكويت وضعه سيئ جداً، ومع غياب حماية حقيقية للمنتج الوطني، يصبح أي ارتفاع في الكلفة بمنزلة إضعاف لهذا المنتج أمام السلع المستوردة»، مؤكداً أن اجتماع عوامل سلبية، مثل ارتفاع إيجار القسائم، وزيادة رسوم التأمين، وانخفاض القدرة الشرائية وضع المصنّعين الكويتيين في موقف لا يُحسدون عليه، وداعياً إلى نظرة شمولية تنقذ ما تبقّى من تنافسية المنتج المحلي، بدلا من إرهاقه بقرارات تزيد من كلفة الإنتاج وتضعف مكانته في الدورة الاقتصادية.
الالتحاق بعائل
إلى ذلك، قال عضو هيئة التدريس في العلوم الصحية سابقاً د. فيصل الشريفي إن زيادة رسوم التأمين الصحي للإقامة والالتحاق بعائل يمكن أن تشكل خطوة إيجابية نحو تعزيز النظام الصحي للوافدين، شريطة أن تُترجم هذه الزيادة المادية فعلياً إلى تحسين ملموس في جودة الخدمات الطبية المقدمة.
وأضاف د. الشريفي أنه عندما تؤدي هذه الرسوم الإضافية إلى توفير بنية تحتية صحية أكثر تطوراً، وطواقم طبية مؤهلة، وتقليل أوقات الانتظار، وخدمات وقائية وتشخيصية أوسع، فإن الفائدة تعود في النهاية على المستفيد نفسه، مشيراً إلى أنه في هذه الحالة، تُصبح الزيادة استثماراً في صحة الوافد وعائلته وضماناً للحصول على رعاية فعّالة عند الحاجة، ما يعزز من شعور الاستقرار والاطمئنان أثناء الإقامة.
وذكر أنه مع ذلك، لا يمكن تطبيق هذه الزيادة بشكل عام وعادل دون وضع اعتبارات دقيقة للفئات الأكثر تضرراً، التي قد تشكل عبئاً مالياً ثقيلاً عليها، وفي مقدمة هذه الفئات، الوافدون الملتحقون بعائلات كبيرة العدد، حيث يتضاعف المبلغ الإجمالي مع زيادة الأفراد، كذلك أصحاب الدخول المحدودة والعمالة ذات المهارات المتواضعة التي تتأثر ميزانيتها بشكل حساس بأي نفقات إضافية.
وبيّن أن إغفال هذه الشريحة قد يناقض الهدف الإنساني والاجتماعي لنظام التأمين الصحي، وقد يؤدي إلى حرمانها من الخدمات الصحية الأساسية أو إلى ضغوط معيشية شديدة.
ولفت إلى ضرورة أن تصاحب أي قرارات برفع الرسوم سياسات حماية ومرونة تلطف من آثارها على تلك الفئات، موضحاً أنه يمكن أن يشمل ذلك تقديم دعومات جزئية أو كاملة تتناسب مع مستوى الدخل، أو وضع سقف أقصى للرسوم العائلية المجمعة بغض النظر عن عدد الأفراد، أو توفير خيارات تأمينية متدرجة تختلف في تغطيتها وسعرها، مشيراً إلى أنه بهذه الطريقة، يمكن تحقيق الهدف المتمثل في تطوير الخدمات الصحية والحفاظ على استدامتها المالية، مع ضمان عدم إقصاء أي فئة والحفاظ على مبدأ العدالة الاجتماعية في تقديم الرعاية الصحية للجميع.