تطفيش
ما يجري اليوم لا يمكن وصفه إلا بكلمة واحدة: تطفيش.والتطفيش، بلغة الواقع لا القواميس، يعني أن الدولة تقول للعمالة الوافدة بوضوح: لسنا بحاجة إليكم الآن، غادروا. وكأن الاكتفاء الذاتي من العمالة الوطنية قد تحقق، ولم يعد وجود هذه الشريحة ضرورة اقتصادية أو اجتماعية.
زيادة الرسوم الصحية بهذا الحجم لا تُقرأ إلا في هذا السياق. فهي ليست إصلاحاً صحياً ولا تنظيماً مالياً، بل إجراء طارد، من شأنه ـ إن استمر ـ أن يحوّل البلاد إلى ما يشبه مستعمرة عزّاب كبيرة، هذا إن بقي العزّاب أصلاً بعد هذه الزيادات.
فالعمالة الوافدة، التي تشكّل أكثر من نصف عدد السكان، وإذا أُضيفت إليها العمالة المنزلية تضاعفت النسبة، لم تأتِ ترفاً ولا اختياراً. هذه العمالة لو كانت تملك في أوطانها مقومات الحياة الكريمة لما هاجرت إلى بلد غريب، تتحمّل فيه أعباء الغربة والعمل القاسي. أجورها في الغالب بالكاد تغطي تكاليف المعيشة هنا، ناهيك عن الالتزامات تجاه أسر تنتظر تحويلات شهرية في بلدانها الأصلية.
لنتحدث بالأرقام، فهي أبلغ من أي خطاب إنشائي:
• تحويل إقامة العامل: 185 ديناراً.
• تجديد الإقامة: 135 ديناراً.
• تجديد التحاق بعائل (زوجة وأبناء): 125 ديناراً.
• تجديد التحاق بعائل (الأب والأم): 405 دنانير.
هذه جباية صريحة، لا تخفى على أحد. ومع ذلك، يُقال إن العائد المالي المتوقع للدولة لا يتجاوز 200 مليون دينار. والسؤال المشروع هنا:
هل يستحق هذا العائد ـ المحدود نسبياً قياساً بدخل الدولة ـ فرض رسوم بهذه القسوة، وبهذا الأثر الاجتماعي والاقتصادي الخطير؟
وهنا يبرز سؤال مباشر، وبسيط، ومُلحّ، موجّه إلى وزير الصحة والحكومة:
هل أُجريت دراسة جادة، شاملة، لا مالية فقط، قبل اتخاذ قرار رفع الرسوم الصحية؟
• ما أثر هذه الزيادات على احتمال رحيل العمالة المنتجة؟
• ما انعكاساتها الاجتماعية على تفكك عائلات المقيمين وخروجها من البلاد؟
• ما نتائجها على أصحاب الأعمال، خصوصاً المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي تعاني أصلاً من كساد واضح؟
أسئلة بديهية، يفترض أن تكون على طاولة صانع القرار قبل اتخاذ إجراءات بهذا الحجم.
لكن ما نراه اليوم يوحي بأن الحسابات كانت مالية ضيقة، وأن الآثار الاجتماعية والاقتصادية الأوسع لم تُؤخذ بالجدية المطلوبة.
هل فعلت الحكومة ذلك؟
لا أظن.