النفط يتراجع مع تقييم الأسواق للمخاطر الجيوسياسية مقابل عوامل سلبية

الحملة الأميركية على ناقلات النفط الفنزويلية تفتح جبهة توتر مع الصين

نشر في 23-12-2025
آخر تحديث 23-12-2025 | 20:39
ناقلة نفط تابعة لشركة PDVSA الفنزويلية
ناقلة نفط تابعة لشركة PDVSA الفنزويلية
أُوقفت السبت الماضي الناقلة Centuries، التي ترفع علم بنما، بعد تحميلها شحنة من خام «ميري» الفنزويلي، ما أثار غضب بكين التي اعتبرت الإجراء انتهاكاً للقانون الدولي. وهذه العملية تأتي ضمن سياسة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرامية إلى خنق صادرات النفط الفنزويلي، في محاولة لتضييق الخناق على نظام نيكولاس مادورو.

انخفضت أسعار النفط اليوم، إذ وازن المتعاملون بين المخاطر الجيوسياسية والعوامل الأساسية السلبية، بعد أن أشارت الولايات المتحدة إلى أنها قد تبيع الخام الفنزويلي الذي احتجزته، بينما أدت هجمات ‌أوكرانيا على السفن والموانئ الروسية إلى تفاقم المخاوف من تعطل الإمدادات. وتراجعت العقود الآجلة لخام برنت 13 سنتاً ‌أو 0.2 بالمئة إلى 61.94 دولاراً للبرميل، وخسر خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 14 سنتاً أو 0.2 ‌بالمئة إلى 57.87 دولاراً للبرميل، وارتفع كلا ‌الخامين بأكثر من 2 بالمئة عند التسوية في الجلسة السابقة، مع تسجيل خام برنت أفضل أداء يومي له في ‍شهرين، بينما حقق خام غرب تكساس الوسيط أكبر ارتفاع له منذ 14 نوفمبر.

وقالت بريانكا ساشديفا، كبيرة محللي ⁠السوق لدى شركة فيليب نوفا للوساطة، في مذكرة، «تشهد أسواق النفط الخام تذبذباً خلال الأسابيع الأخيرة من عام 2025، مع تراجع الأسعار إلى حد كبير، مما يعكس حالة من الشد والجذب بين الأساسيات السلبية المستمرة والعناوين المتقطعة التي ‌تدفعها للصعود»، مضيفة أنه رغم أن الأسعار أظهرت انتعاشاً طفيفاً على خلفية الأحداث الجيوسياسية خلال عام 2025 فإن الوضع بوجه عام يشير إلى توازن بين بدء الطلب وفائض العرض.

لكن الأسواق تتوخى الحذر، ‌إذ يزن المتعاملون المخاطر الجيوسياسية مقابل توقعات وفرة المعروض في أوائل عام ‍2026، مما يجعل الأسعار حساسة لأي اضطرابات طويلة الأمد. وفي إطار حملة الضغط على فنزويلا، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس، إن الولايات المتحدة قد تحتفظ بالنفط الذي احتجزته قبالة سواحل فنزويلا في الأسابيع القليلة الماضية أو ربما تبيعه.

وذكر بنك باركليز، في مذكرة أمس، «صحيح أنه حتى لو انخفضت صادرات النفط الفنزويلية إلى الصفر على المدى القريب، فمن المرجح أن تظل أسواق ‌النفط مزودة بإمدادات كافية في النصف الأول من عام 2026». ومع ذلك، تشير تقديرات باركليز إلى أن فائض النفط العالمي سيتقلص إلى 700 ألف برميل يومياً فقط في الربع الأخير من عام ‌2026، ⁠وأن أي اضطراب ممتد قد يزيد شحّ السوق، مستنزفاً الزيادات الأخيرة بالمخزونات. في غضون ذلك، تبادلت روسيا وأوكرانيا الهجمات على أهداف في ⁠البحر الأسود، وهو مسار تصدير ‍حيوي ‌للبلدين.

وقصفت القوات الروسية ‍ميناء أوديسا الأوكراني على البحر الأسود في وقت متأخر من مساء أمس، مما ألحق أضراراً بمرافق الميناء وسفينة، في ثاني هجوم على المنطقة خلال أقل من 24 ساعة.

وذكرت السلطات أن هجوماً بطائرات مسيّرة أوكرانية ألحق أضراراً بسفينتين ورصيفين، وأشعل حريقاً في بلدة بمنطقة كراسنودار الروسية. واستهدفت أوكرانيا أيضاً الخدمات اللوجستية البحرية الروسية، مركّزة على ناقلات النفط التابعة لأسطول الظل التي تحاول الالتفاف على العقوبات المفروضة على روسيا، بسبب الحرب المستمرة منذ ما يقرب من أربع سنوات.

جبهة توتر مع الصين 
وقد تؤدي الحملة الأميركية المتصاعدة لمصادرة ناقلات النفط الفنزويلية إلى تصعيد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، إذا طالتها هذه الحملة العسكرية. وأُوقفت السبت الماضي الناقلة Centuries، التي ترفع علم بنما، بعد تحميلها شحنة من خام ميري الفنزويلي، ما أثار غضب بكين التي اعتبرت الإجراء انتهاكاً للقانون الدولي، وهذه العملية تأتي ضمن سياسة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرامية إلى خنق صادرات النفط الفنزويلي، في محاولة لتضييق الخناق على نظام نيكولاس مادورو.

وأشار خبراء الشحن البحري إلى أن واشنطن استندت في هذه المصادرة إلى اتفاقية «سالاس-بيكر» الموقعة عام 2002، التي تمنحها حق تفتيش السفن التي ترفع علم بنما خلال ساعتين من الإخطار. وبحسب بيانات شركة كبلر، هناك 23 ناقلة ضمن «أسطول الظل» في المنطقة الاقتصادية الفنزويلية، ثلاث منها ترفع علم بنما وتحمل شحنات نفطية خاضعة للعقوبات، مما يجعلها أهدافاً محتملة لعمليات مشابهة، وفقاً لما ذكرته شبكة CNBC، واطلعت عليه «العربية Business».

وقال كبير محللي المخاطر في «كبلر»، ديميتريس أمباتزيديس، إن ناقلات مثل «راغنار» و«بالسا» و«لاركو» التي غادرت فنزويلا منتصف ديسمبر، تواجه خطر المصادرة إذا حاولت الإبحار نحو وجهاتها النهائية.

لكن البعد الأخطر لهذه الحملة، وفق خبراء، يتمثل في انعكاساتها على الصين، التي تستحوذ على نحو 76% من صادرات النفط الفنزويلي المخفض السعر، وهو خام ثقيل يناسب مصافيها. «كلما طال أمد هذه العمليات، زادت الضغوط على بكين، التي ستضطر لتعويض النقص عبر شراء النفط الروسي أو من الشرق الأوسط بأسعار أعلى»، بحسب آرون روث، الخبير الأمني في مجموعة تشيرتوف.

وأنتجت فنزويلا حتى الآن نحو 900 ألف برميل يومياً من الخام والمكثفات في 2025، أي ما يعادل 1% من الإمدادات العالمية، فيما تراجعت واردات الولايات المتحدة إلى نصف مستويات العام الماضي، مقابل استمرار الصين في استيراد الحصة الأكبر.

الناقلة Centuries ليست جديدة على هذه العمليات، فقد رصدتها «كبلر» سابقاً وهي تنقل شحنات فنزويلية إلى ميناء يانتاي بالصين عام 2020، كما تورطت في عمليات نقل مشبوهة قبالة سواحل ماليزيا. بيانات الأقمار الصناعية أظهرت أن الناقلة أخفت موقعها عبر إشارات مموهة قبل تحميلها في ميناء «خوسيه» الفنزويلي، قبل أن تغادر متجهة نحو آسيا.

وإلى جانب البعد النفطي، تأتي هذه التطورات وسط خلافات أميركية - صينية حول النفوذ في قناة بنما، حيث تملك شركات صينية موانئ استراتيجية على طرفي القناة، في وقت تسعى واشنطن لإعادة فرض سيطرتها على الممر الحيوي. صفقة بيع موانئ «بالوا» و«كريستوبال» لشركات أميركية وأوروبية تعثرت مؤخراً بسبب اعتراضات بكين، التي تدفع باتجاه دخول شركة كوسكو الحكومية في الصفقة، ما يثير مخاوف أميركية من منح الصين «نقطة خنق» في سلاسل الإمداد العالمية.

بدوره، يرى الرئيس التنفيذي لشركة إكسيغر، براندون دانيلز، أن استخدام واشنطن اتفاقيات التفتيش مع بنما في هذه المصادرات قد يُقرأ في بكين كجزء من معركة النفوذ على القناة، مضيفاً: «الصين قد تعتبر ذلك تجاوزاً، لكن الولايات المتحدة تصفه بأنه مكافحة لتهريب النفط وتكتيكات أسطول الظل»، ولفت إلى أن بنما تحاول الحفاظ على حيادها رغم الضغوط المتزايدة من الطرفين.

في المحصلة، تبدو أزمة ناقلات النفط الفنزويلية مرشحة لتتحول إلى ورقة ضغط في لعبة الشد والجذب بين واشنطن وبكين، حيث تختلط الجغرافيا السياسية بالمصالح الاقتصادية في واحدة من أكثر الملفات سخونة على خارطة الطاقة العالمية.

back to top