العبدالجليل: اقتصادنا كان إنتاجياً قبل أن يصبح ريعياً

• خلال محاضرة ثقافية تحدث فيها عن واقع الحياة قبل النفط

نشر في 23-12-2025
آخر تحديث 23-12-2025 | 19:20
عمانويل غريب وفهد العبدالجليل أثناء المحاضرة
عمانويل غريب وفهد العبدالجليل أثناء المحاضرة
أكد الباحث فهد العبدالجليل أن الاقتصاد الكويتي قبل النفط كان اقتصاداً إنتاجياً، يختلف جذرياً عن الاقتصاد الريعي الحالي، حيث اعتمد المجتمع آنذاك على العمل والتجارة والضرائب، لا على الدعم الحكومي.

نظمت الكنيسة الإنجيلية الوطنية، في مقرها، محاضرة ثقافية بعنوان «الاقتصاد الكويتي قبل النفط»، قدمها رئيس الجمعية الكويتية للتراث فهد العبدالجليل، بحضور أعضاء الجمعية وجمع من المهتمين بالشأنين الاقتصادي والتاريخي. 

وفي مستهل اللقاء، رحب القس عمانويل غريب بالعبدالجليل، وقدم للحضور نبذة تعريفية عن مسيرته، ومن ثم أشاد العبدالجليل بدور القس غريب في أن يجعل ديوانية الكنيسة الإنجيلية الوطنية ديوانية ثقافية، من خلال ما تنظمه من محاضرات وندوات تثري الوعي الثقافي والتاريخي لدى روادها. 

وأشار العبدالجليل إلى أن من أبرز الأمور التاريخية ارتباط مختلف مؤسسات الدولة والمجتمع بشعار «الكويت بلاد العرب» خلال فترة حكم الشيخ عبدالله السالم الصباح (1950 – 1956)، وذلك حين وجه الجهات الحكومية حتى الشركات الخاصة لاعتماد هذا الشعار في مراسلاتها الرسمية والتجارية، تأكيداً لدور الكويت الداعم للقضايا العربية.

وأوضح أن اللافت في هذا السياق هو أن المؤسسات الدينية الكويتية كانت جزءاً من هذا التوجه، ومنها الكنيسة الإنجيلية، ثم قام العبدالجليل بإهداء القس غريب 3 نسخ من تلك الوثيقة التي تعود إلى خمسينيات القرن الماضي صادرة عن الكنيسة الإنجيلية، وحملت عبارة «الكويت بلاد العرب».

وانتقل العبدالجليل إلى الحديث عن شغفه بالتاريخ، ليقول إن اهتمامه بالتاريخ الاقتصادي قاده إلى دراسته بأسلوب علمي، الأمر الذي توج بإصدار «موسوعة اقتصاد الكويت القديم» كأول أعماله البحثية التي تناولت تاريخ الاقتصاد الكويتي في مراحله المبكرة. 

وبين أن الموقع الاقتصادي شكل الأساس في نشأة الكويت، فرغم افتقارها للموارد الطبيعية والمياه والزراعة، «لكن المرفأ أو ميناء الكويت القديم أو مثل ما نسميه في لهجتنا المحلية الفرضة كان يقع بين ميناء البحرين وميناء البصرة وميناء القطيف وموانئ ساحل فارس»، ما جعلها مركزا تجاريا مهما بين موانئ الخليج، وأسهم في ترسيخ مكانتها الاقتصادية منذ بداياتها. 

وأفاد العبدالجليل بأن الاقتصاد الكويتي قبل النفط كان اقتصادا إنتاجيا يختلف جذريا عن الاقتصاد الريعي الحالي، حيث اعتمد المجتمع آنذاك على العمل والتجارة والضرائب، لا على الدعم الحكومي، وبين أن التجار وأصحاب السفن و«الطواويش» أدوا دور البنوك في تمويل الأنشطة الاقتصادية، والإشراف على مواسم الغوص والسفر، في نموذج اقتصادي يعكس اعتماد المجتمع على جهوده الذاتية قبل التحول الكبير الذي أحدثه النفط.

وأكد أن الغوص شكل المصدر الأساسي للاقتصاد الكويتي في تلك الفترة، حيث كان يمارس على مدار العام، ويعد بمنزلة العمود الفقري لمصادر الدخل قبل اكتشاف النفط، وكانت هناك منافسة شديدة بين دول الخليج على «مغاصات» اللؤلؤ، وأفضلها موجود في الجانب البحريني وأيضا في «الزبارة» بقطر، وبعد تلك المنافسة أدرك الكويتيون أن عليهم تنويع الاقتصاد، خصوصا بعد انتقال الوكالة التجارية البريطانية من البصرة إلى الكويت، والذي كان يعد حدثاً تاريخياً هاماً، ومن ثم بدأوا بنشاط اقتصادي آخر غير الغوص وهو «النقل التجاري»، حيث استخدموا فيه السفن الشراعية «السفارة».

 قبل النفط كانت الكويت تعتمد على مواطنيها في الحرف اليدوية ومنها صناعة السفن

وانتقل العبدالجليل بتسلسل في حديثه عن الاقتصاد الكويتي، متدرجا في عرضه التاريخي، وصولا إلى ما أورده الوكيل السياسي البريطاني لويس بيلي خلال زيارته الشهيرة للكويت عام 1863، حيث ذكر أن الكويت كانت تصدر سنويا إلى الهند نحو 800 حصان عربي، موضحا أن هذه التجارة كانت تمثل موردا اقتصاديا مهما، يعادل نحو 10 في المئة تقريبا من إجمالي إيرادات الكويت في ذلك الوقت، ما يعكس تنوع النشاط الاقتصادي قبل النفط. 

وأشار إلى عدد من الشواهد التاريخية المهمة التي عكست ازدهار الاقتصاد الكويتي في الماضي، أبرزها ما ورد في مذكرات الرحالة البريطاني جيمس بكنغهام، الذي زار الكويت عام 1816، وأوضح أن بكنغهام وصف الكويت آنذاك بأنها من المدن المزدهرة اقتصاديا، مشيدا بمينائها الذي اعتبره من أفضل موانئ المنطقة، كما أشار إلى تصدير الخيول العربية من الكويت إلى موانئ الهند الغربية، في دلالة واضحة على حيوية الحركة التجارية وتنوع موارد الدخل في تلك المرحلة.

وتحدث عن تأسيس الجمرك البحري في عام 1899 بعد توقيع اتفاقية الحماية البريطانية، ليكون أول دائرة يتم تأسيسها في عهد الشيخ مبارك الصباح، حيث زادت الحركة الملاحية على ميناء الكويت بشكل ملحوظ، مما جعل الشيخ مبارك يعمل على رفع الضرائب من 3 في المئة؜ إلى 5 في المئة؜ وكذلك 7 في المئة؜ على بعض السلع لتعظيم ايرادات الكويت في ذلك الوقت.

وتحدث العبدالجليل عن التجارة البينية أو «القطاعة» مع دول الخليج ومساهمتها في إيرادات الدولة ما قبل النفط، مبينا أن الكويتيين يستوردون المواد الغذائية والأخشاب والأقمشة من الهند، ويصدرون لموانئها التمور والخيول واللؤلؤ، حيث أشار إلى سوق الطواويش في مدينة بومبي، والذي كان يجتمع فيه أكبر تجار اللؤلؤ بالكويت والخليج مع أشهر تجار المجوهرات في العالم. 

وأضاف أن اقتصاد الكويت قبل النفط كان لا يعتمد فقط على البحر، وإنما التجارة البرية، التي كان لها دور بارز خصوصا فيما يتعلق بالجمرك البري وفرضه رسما على القوافل التجارية البرية تسمى هذه الضريبة «الودي»، وأشار إلى أن صالح العسكر والد الشاعر فهد العسكر كان مدير الجمرك البري في عهد الشيخ مبارك الصباح يعاونه صالح الفضالة.

ولفت إلى أن الكويت كانت قبل النفط تعتمد على مواطنيها في الحرف اليدوية ومنها صناعة السفن، حيث كان صانع السفينة وطاقمها وملاكها كويتيين، وأشار إلى شبكة النقل الضخمة التي أسسها تجار الكويت من خلال تملكهم أراضي النخيل في البصرة وأسطول سفن ضخما ومكاتب في موانئ الهند، مما جعل إمارة الكويت أهم مركز تجاري بالمنطقة ربط موانئ الشرق بالغرب، حيث كان مجموع إيرادات الكويت في العشرينيات من القرن الماضي 15 مليون روبية تقريبا، مقارنة بما ذكره لوريمر في دليل الخليج بأن إيرادات الكويت عام 1839 بلغ 500 ألف روبية وصادراتها 1000 ألف روبية.

back to top