علي اليوحة: تعاونا مع مؤسسات المجتمع المدني لدورها الرئيسي في التنمية البشرية والثقافية

• قدم شهادة شخصية ومهنية ضمن برنامج «الجوهر» الذي تنظمه «لابا - لوياك»

نشر في 22-12-2025
آخر تحديث 21-12-2025 | 20:10
أكد الأمين العام الأسبق للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب م. علي اليوحة، الدور العميق الذي تضطلع به الثقافة والفنون بالمجتمع الكويتي والعالم، بوصفها أداة فاعلة في إحداث التغيرات الاجتماعية والفكرية ووسيلة لمواجهة الأفكار المتطرفة، مبيناً أن العمل الثقافي ليس جهداً فردياً، بل منظومة أدوات متكاملة تبدأ بالإيمان بأن كل ألوان الطيف الثقافي، من فنون تشكيلية وغيرها، تستحق مستوى واحداً من الدعم والاحترام لتتمكن من تقديم منتجها للجمهور وتغيير مفاهيم المجتمع نحو الأفضل. جاء ذلك بحلقة حوار برنامج «الجوهر» للتدريب الإعلامي، الذي تنظمه «لابا» للفنون التابعة لـ «لوياك»، حيث قدم اليوحة شهادة شخصية ومهنية تناولت مسيرته كواحد من رواد العمل الثقافي بالكويت خلال فترة توليه أمانة المجلس طوال 8 أعوام شهدت خلالها الثقافة والفنون الكويتية حيوية ثقافية وفنية مشهودة، لافتاً إلى أنه تعاون مع مؤسسات المجتمع المدني، خلال فترة عمله، لدورها الرئيسي بالتنمية البشرية والثقافية.

وشارك في الحوار مجموعة من المتدربين، بإدارة الإعلامية اللبنانية رانيا برغوت، التي قدمت ورشة تدريب إعلامي على مهارات إعداد وإقامة حلقة حوارية ناجحة، والمشاركون هم: آية البيطار، دلال السمحان، مريم الهندي، د. منيرة السلطان، من داخل الكويت، بالإضافة إلى بهاء جانبين من بيروت، وأحمد ياغي من الأردن.

واستهلت المشاركة آية البيطار اللقاء بمحور الطفولة والنشأة، فأوضح اليوحة أنه وُلد في مستشفى السالمية، وهي المنطقة التي شهدت طفولته ونشأته، وأضاف أن الوالد «كان من بين مؤسسي الحركة النقابية بالكويت، وكانت مسيرتي في الدراسة عادية، لكني تكاسلت قليلا في سنة أولى متوسط، وبسبب ذلك بدأ الوالد يهتم بمتابعتي، وبدأ يصطحبني معه عندما يذهب للنقابة».

العمل الجاد يزعج البعض لكن المهم أن يحافظ الإنسان على وضوح نياته وشفافيته

وأوضح أن والده كان يذهب لعمله صباحا، ثم يعود للمنزل لقيلولة حتى الساعة الرابعة، فيعود ليذهب للنقابة وبشكل يومي، شديد الصرامة والانضباط، الأمر الذي أثر عليه وجعله يميل للانضباط في حياته. 

وأضاف: «اعتمدت على نفسي في الدراسة، ولم أحتج إلى دروس خصوصية، وكنت طالبا هادئا ومنضبطا، وعندما انتقلت لدراسة الهندسة في موسكو عام 1978 استمر هذا النهج، فقد كانت حياتي هناك جدية جدا، ورغم ما قد يمر به الشباب عادة من مشكلات في الغربة، لكنني لم أواجه صعوبات تُذكر».

انضباط الوالد كأحد مؤسسي الحركة النقابية بالكويت له دور كبير في تشكيل شخصيتي

من البلدية إلى المجلس الوطني

وتعقيبا على أسئلة المشاركة دلال السرحان، التي تناولت الجانب المهني، أجاب المهندس علي اليوحة: «انتقالي من بلدية الكويت إلى المجلس الوطني عام 1996 فتح أمامي عالما جديدا، فاحتكاكي بالمسرحيين والموسيقيين والأدباء والتشكيليين والمهتمين بالتراث والآثار وسع مفهومي للثقافة، وأكد لي أن المعرفة ركيزة أساسية لأي قيادة ناجحة». 

وتابع: «في 2006 أصبحت أمينا عاما مساعدا، ثم في 2011 أمينا عاما للمجلس، وهو المنصب الذي ترددت في قبوله أول الأمر، لكن تشجيع من أثق بهم أعطاني الثقة. خلال عملي أوليت المكتبة الوطنية اهتماما خاصا باعتبارها أرشيف الدولة، وبدأنا مشروع رقمنة إصدارات المجلس وتحويلها رقميا، مستفيدين من التقنيات التي ظهرت في تلك الفترة». 

أوليت المكتبة الوطنية اهتماماً خاصاً بوصفها أرشيف الدولة

وأردف: «كما سعينا إلى تطوير إصدارات خاصة تتناسب مع احتياجات وزارة التربية، فإصدارات المجلس لم تكن تحتاج إلى تطوير، ولست مؤسسها، بل أسسها الرواد مثل أحمد العدواني وسليمان العسكري، وكانت لهما جهود جبارة في صدورها وتطويرها، لكننا عملنا على إعداد كتب مبسطة عن العملات والطوابع والحضارات والتاريخ في الكويت بلغات متعددة، وقدمناها للوزارة على أمل دعم المناهج، لكن المشروع لم يكتمل».

وردا على أسئلة المشاركة مريم الهندي التي تناولت محور الإعلام وأثره، قال اليوحة: «عملت على تطوير إعلام إلكتروني فعّال، ولم أتردد في اتخاذ القرارات التي رايتها صحيحة، أما الأزمات فتعاملت معها بشفافية وثبات، حتى عندما تم إيقافي عن العمل للتحقيق بسبب عرض مسرحي وحفل موسيقي ونشر كتاب، من قبل وزير الإعلام آنذاك، طلبت أن يصلني كتاب رسمي بأسباب الإيقاف، وبعد تغير الوزير أصررت على أن يستكمل التحقيق لأنها مسألة سمعة لي ولزملائي، وتعاملت مع الإعلام بهدوء وثقة، وبعد تجاوز تلك المرحلة ازداد إصراري على إكمال مهمتي، لأن العمل الجاد يزعج البعض، لكن المهم أن يحافظ الإنسان على وضوح نياته وشفافيته». 

كان معي فريق من المستشارين والكوادر المتميزة الذين سهّلوا تحقيق الإنجازات    

سيرة طيبة

وقامت المشاركة مريم الهندي بعرض تقرير مصور، تضمن لقاءاتها مع كوادر وزملاء ممن عملوا مع المهندس علي اليوحة بالمجلس، وقدموا فيه انطباعاتهم عن تلك الفترة، وأثنوا على الطريقة التي كان يتعامل بها معهم.

ومن بيروت قام المشارك بهاء جانبين بتناول محور الإدارة، وأوضح المهندس علي اليوحة في إجاباته على أسئلته أن «العمل الثقافي ليس جهدا فرديا، بل منظومة أدوات متكاملة تبدأ بالإيمان بأن جميع ألوان الطيف الثقافي، من فنون تشكيلية وموسيقى وأدب ومسرح وتراث وآثار، تستحق مستوى واحدا من الدعم والاحترام حتى تتمكن من تقديم منتجها للجمهور». 

وأضاف: «لذلك ركزت خلال سنوات عملي أمينا عاما على ضمان استدامة المهرجانات والأنشطة، فثبتناها بقرارات مجلس الوزراء، لتتوافر لها ميزانيات سنوية تضمن استدامتها، كما اعتمدت على مؤسسات المجتمع المدني باعتبارها شريكا أساسيا لا يمكن للمؤسسة الحكومية أن تنجح من دون إشراكه».

واستدرك: «عملت مع كفاءات في الإعلام والثقافة والفنون، ومنحتهم مساحة من الحرية، وفي القرارات الصعبة أعود لمجموعة من المستشارين والزملاء الذين شكلوا سندا حقيقيا وكانوا مستعدين للعطاء». 


المشاركان بهاء جانبين وأحمد ياغي المشاركان بهاء جانبين وأحمد ياغي

الحفاظ على الهوية الثقافية يحتاج لاستراتيجيات طويلة المدى ونهج متدرّج

الانضباط والإنسانية

وشدد اليوحة على أن القيادة تبدأ بالأمانة والإخلاص والصدق، وبالقدرة على التعامل كإنسان قبل أن تكون صاحب منصب. وأن العمل الثقافي يحتاج معرفة بالأدب، والفن، والمال، والإدارة معا. 

من جهته، اختار المشارك أحمد ياغي من الأردن محور المنهج الإداري الذي التزم به المهندس اليوحة في عمله، والذي أوضح قائلا إن منصب الأمين العام لم يكن وظيفة إدارية بحتة بل غرفة عمليات تتطلب تجاوز البيروقراطية أحيانا، والتضحية بالوقت والالتزامات الاجتماعية لضمان سير العمل. 

وتحدث عن تخصيص مركز جابر الأحمد في فيلكا للتنقيب، موضحا أن الموقع كان قائماً قبل توليه، لكنه مع الأمين العام المساعد لقطاع الآثار عملا على تطوير فرق التنقيب التي كانت صغيرة ومحدودة المدة، فرفعوا عدد أفراد البعثة إلى نحو 15، وزادوا عددها إلى خمس بعثات سنويا، مع إلزام كل بعثة بإصدار دراسات تُرجمت سبع منها للعربية، ما استدعى إنشاء مقر أكبر قادر على استقبال بعثتين في وقت واحد. وأشار إلى أنه واجه مواقف كان لابد فيها من حماية مصالح الكويت في مواجهة فرق التنقيب الأجنبية، لكن العقود الواضحة التي التزم بها الطرفان أثمرت ثمانية إصدارات عن الاكتشافات الهيلينستية والإسلامية وغيرهما.

رسالتي للجيل الجديد أن الإدارة تحتاج إلى الأمانة والإخلاص والصدق والتعامل بإنسانية 

وأفاد بأن هناك خيطا رفيعا بين الحفاظ على أصالة الموقع وتهيئته للزيارة، وانهم نجحوا بنسبة تقارب 80% رغم الأخطاء، فيما ظلت صعوبة الوصول إلى فيلكا عائقا أمام تحويل المواقع إلى وجهات سياحية مفتوحة، أما فيما يخص زيادة ميزانية المجلس فأوضح أن تجاوز البيروقراطية كان ضروريا، لذلك كان يتوجه بنفسه إلى وزارة المالية لمناقشتهم.

وحول تسويق الإصدارات العلمية، بين أن قياس أثرها يعتمد على مؤشرات غير مباشرة، مثل أرباح دور النشر في معرض الكويت للكتاب، مؤكدا أنه بالرغم من أن الكويت لا تقدم دعماً مادياً للناشرين، إلا أن المبيعات كانت قوية وتغطي إيجارات دور النشر السنوية.

العمل الثقافي يحتاج إلى معرفة بالأدب والفن والمال والإدارة معاً

تأهيل الكوادر

وإجابة على أسئلة الدكتورة منيرة سعد السلطان أكد اليوحة أن تخيل المستقبل مرتبط بمعرفة المعطيات الحالية ومدى إيجابيتها في التعليم والثقافة والصحة، مضيفا أن تكرار كلمة «استراتيجية» في الخطابات الرسمية يعني ضرورة وجود خطط واضحة وأدوات تشغيلية تُحاسَب عليها أجهزة الدولة، وأن القناعة بأهميتها أساس أي إنجاز، مستشهدا بقول رئيس فرنسي سابق بأن الثقافة والفنون هي السلاح الحقيقي في مواجهة الإرهاب.

وشدد على أن الحفاظ على الهوية الثقافية يحتاج إلى استراتيجيات طويلة المدى تُنفَّذ عبر مراحل زمنية وأدوات واضحة ورقابة مستمرة، إلى جانب مجتمع متعلم يمتلك الحد الأدنى من الوعي والمعرفة.

الأول من نوعه

يذكر أن «الجوهر» للتدريب الإعلامي هو البرنامج الأول من نوعه في المنطقة، وقد أطلقته أكاديمية لابا لوياك عام 2020 بهدف تمكين الشباب العربي من أسس إعداد وتقديم حلقات حوارية ناجحة، وتدريبه على أبجديات الإعلام على يد نخبة من الإعلاميين العرب المحترفين، وتتوج الورش التدريبية بمحاورة ضيوف رياديين تركوا بصمة واضحة في شتى المجالات بالوطن العربي، وبلغ عدد ورش «الجوهر» التدريبية حتى اليوم 64 ورشة، وزاد عدد مستفيديه على 568 مستفيداً، وينفّذ البرنامج برعاية شركة المركز المالي الكويتي (المركز)، وجريدة الجريدة، وشركة الصناعات الهندسية الثقيلة وبناء السفن (هيسكو)، وفندق فوربوينتس شيراتون.

المشاركون في حلقة الحوار:

- مريم الهندي 
ودلال السمحان 
ومنيرة السلطان 
 من الكويت 
- آية البيطار 
وأحمد ياغي 
 من الأردن
- بهاء جانبين 
 من لبنان 

back to top