المشاريع المتعثرة وحماية المال العام

نشر في 19-12-2025
آخر تحديث 18-12-2025 | 18:26
 حمد جاسم الفواز

يُعد ملف المشاريع المتعثرة في الصندوق الوطني للمشاريع الصغيرة والمتوسطة من أكثر القضايا الاقتصادية حساسية في المرحلة الراهنة، لما يحمله من أبعادٍ مالية واجتماعية تمس شريحة واسعة من المواطنين. فأي اضطراب في قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة ينعكس بشكلٍ مباشر على الاقتصاد الوطني ككل، نظراً لأهمية هذا القطاع في دعم التنمية وتوفير فرص العمل.

خلال السنوات الماضية، خصوصاً في فترة جائحة كورونا، تعرَّض السوق لهزةٍ اقتصادية مازلنا نعاني تبعاتها إلى اليوم، إذ واجه عدد كبير من المبادرين ظروفاً قاهرة أدت إلى تعثر مشاريعهم أو إغلاقها كلياً. وقد أثار تعامل الصندوق الوطني أخيراً مع هذا التعثر انتقادات واسعة، لاسيما بعد فتح ملفات تنفيذ قضائي بحق 110 مبادرين متعثرين، إلى جانب توجيه إنذارات قانونية لمبادرين آخرين، ليصل العدد الإجمالي إلى ما يقارب 200 مبادر، في خطوة تهدف- وفق رأي الصندوق- إلى حماية المال العام.

ولا يكمن جوهر الإشكالية في مبدأ استرداد الأموال بحد ذاته، بقدر ما يتمثل في آليات التسوية المطروحة، إذ يشكو مبادرون من أن التسويات المعروضة تفتقر إلى الواقعية، حيث يُطلب دفع 20 في المئة من قيمة التمويل فوراً، مع الالتزام بأقساطٍ شهرية تصل أحياناً إلى ألف دينار، ولمدة تمتد إلى 15 عاماً. وهي شروط يراها كثيرون مُرهقة، خصوصاً لمن فقد مشروعه، أو تقلَّص دخله، ما يحوِّل التعثر من أزمةٍ مؤقتة إلى مأزقٍ طويل الأمد.

عانت هذه الفئة ضغوطاً أسهمت في تعثر عددٍ كبير من مشاريعها، لأسباب متعددة، بعضها يعود إلى ممارسات داخل منظومة الدعم نفسها (الصندوق الوطني)، مثل: عدم انتظام صرف الدفعات، وأخطاء تنظيمية وإدارية، والتساهل في تمويل مشاريع مكررة أو غير مستحقة، والخلط بين المبادر الجاد والمتلاعب بالتمويل. ويُضاف إلى ذلك عوامل مرتبطة بطبيعة السوق المحلي، كارتفاع الإيجارات، وصعوبة استقدام العمالة الماهرة، وتكاليفها المرتفعة، والمنافسة غير العادلة مع شركات «مضمّنة» مخالفة للقانون، فضلاً عن مزاحمة بعض الموظفين الحكوميين للقطاع الخاص بأنشطة تجارية غير مسجلة بأسمائهم! كما أسهم عدم توفير أراضٍ صناعية للحرفيين والصناعات الخفيفة، وطول فترات التقاضي وارتفاع الرسوم القضائية في إضعاف بيئة المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

يأتي دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ضمن توجُّه الدولة العام لتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية، ليكون شريكاً حقيقياً في إيجاد سوق عملٍ منتج، واستحداث فُرص وظيفية وتجارية مستدامة، بما يخفف العبء المتزايد عن الحكومة في توظيف آلاف الخريجين سنوياً، وما يترتب عليه من استنزاف للميزانية العامة، وتكريس للبطالة المقنَّعة.

ومن هذا المنطلق، كان من الأجدر أن يضطلع الصندوق الوطني بدورٍ أكثر فاعلية، عبر تبنِّي أدوات دعم ذكية للمشاريع المتعثرة، مثل إنشاء حاضنات أعمال متخصصة تقلل من مخاطر السوق، وتحد من الخسائر في فترات الركود، بدل الاكتفاء بدور الممول والمطالب بالسداد، كأي مؤسسة مالية تقليدية أخرى.

إن التحدي الحقيقي اليوم يكمن في إيجاد توازن دقيق بين حماية المال العام والحفاظ على استدامة المشاريع الشبابية، فالمشاريع الصغيرة والمتوسطة ليست عبئاً على الاقتصاد، بل ركيزته الأساسية، وأي إخفاق في احتوائها سينعكس سلباً على المجتمع بأسره.

back to top