إثيوبيا موطن أبرهة وحضن المسلمين الأول

نشر في 18-12-2025 | 18:15
آخر تحديث 18-12-2025 | 19:56
 أنفال الذياب

أثيوبيا أو ما يعرف في المصادر القديمة باسم الحبشة هو في الحقيقة اسم له ارتباط وثيق بأحداث تاريخية بارزة شهدتها جزيرة العرب عبر فترات متعاقبة، فهذا الكيان القابع في القارة السوداء كانت له أبعاد جغرافية وسياسية وتجارية أثرت بشكل مباشر على تاريخ المنطقة رغم وجود مسطح مائي عظيم يفصل بين اليابستين، وهو البحر الأحمر، أو كما يطلق عليه قديماً بحر القلزم. إذاً أين تقع أرض الحبشة هذه وكيف وصل الأحباش إلى الأراضي العربية.

تقع الحبشة ضمن مساحة جغرافية تشمل ما يسمى اليوم بجيبوتي وأجزاء من إريتريا والسودان وجزء كبير شاسع من أثيوبيا، حيث قامت على هذه البقعة من العالم مملكة عظيمة قوية عرفت عبر التاريخ باسم مملكة اكسوم التي تعادل في قوتها الإمبراطورية البيزنطية والفارسية، اعتنقت هذه المملكة المسيحية وأحكمت قبضتها على تلك المنطقة لمئات السنين، مما جعلها تخلف إرثاً حضارياً ضخماً شمل المسلات وبقايا القلاع والقصور، وبحكم قربها الشديد من موانئ اليمن فقد كانت التجارة حاضرة ونشطة بقوة بين الضفتين، حيث نقلت على أثرها البضائع الإفريقية الفاخرة كالعاج والبخور والذهب والحيوانات النادرة إلى الأقاليم العربية، هذا بالنسبة لوجود اكسوم الجغرافي والتجاري.

أما بخصوص وجودها السياسي أو العسكري في المنطقة، وتحديداً في اليمن، فقد بدأ الزحف الإفريقي إليها بعد حادثة أصحاب الاخدود التي تم على أثرها حرق النصارى وهم أحياء على يد ملك حمير، مما استدعى أنصار المسيحية إلى الاستعانة بقيصر الروم باعتباره حامي الدين، حيث اتخذ موقفاً صلباً إزاء هذا الاضطهاد الديني الشنيع ضد المسيحية، فأرسل على الفور إلى ملك الحبشة يحثه على التدخل العسكري السريع ضد اليمن، وذلك بحكم توافق ملوك الحبشة ديناً مع الروم، وقربهم الجغرافي من تلك المنطقة، وبالفعل تحرك الأحباش بتجاه الشواطئ العربية، ونجحوا في الإطاحة بحكم التبابعة وسيطروا على اليمن.

إلا أن الأحداث لم تقف عند ذلك الحد، فسرعان ما دب الخلاف بين الأحباش أنفسهم، وسيطر على المشهد آنذاك أحد أبرز الشخصيات في الجيش الحبشي، حيث تمكن هذا الشخص من إزاحة الحاكم الجديد واعتلى بنفسه عرش اليمن، وذلك هو أبرهة صاحب الفيل، الذي قرر خلال فترة من حكمه أن يعاقب العرب بهدم قبلتهم فأتاه الرد من السماء.

أعقبت هذه الحادثة ولادة خير البشر المصطفى عليه الصلاة والسلام، تلاها انطلاق البعثة النبوية من أرض الحجاز، ومع بزوغ فجر الإسلام ما لبث أن ظهر اسم الحبشة من جديد على مسرح الأحداث بصفة مغايرة تماماً، ليكون هذه المرة بمنزلة الملجأ السياسي لجموع المهاجرين الفارين بدينهم من ويلات التنكيل، وذلك تحت مظلة ملك مسيحي عادل، وبالفعل شد المهاجرون الرحال إليها، وعاشوا هناك فترة من الزمن، ولاتزال القرية التي سكنها المسلمون في الحبشة موجودة حتى الآن في أثيوبيا ومعروفة باسم قرية النجاشي.

من هنا نستخلص أن أثيوبيا هذه وعاصمتها الحالية أديس أبابا قد جمعت بين نقضين فارقين في تاريخ العرب والمسلمين، أولها ذكرى سوداء مضمونها اعتداء عسكري سافر على أهم مقدساتهم، وتاليها وجه مشرق جميل يشع بالأمل والخلاص لأتباع دين محمد.

back to top