سعاد الصباح... انتصار الثقافة للهوية

نشر في 19-12-2025
آخر تحديث 18-12-2025 | 19:17
 د.إيمان طعمة الشمري

قطعةُ قماشٍ كما يسمّيها الآخر، لكنها لملايين النساء، وربما لمئات الملايين ليست قماشاً فقط، بل إيمانٌ وانتماء، جزء من إرث عائلي، لغةٌ اجتماعيةٌ جامعة، وقرارٌ شخصي يُمارَس في هدوء كما تُمارَس أعمق القناعات.

في المشهد العالمي تراها ثابتة على رأس المرأة الغزية تحت القصف والمطر، ثم تراها بيضاء على رؤوس الملايين يطُفن كأسراب الحمام في دائرةٍ لا تنكسر حول الكعبة المشرّفة. وتدركها، في مكانٍ آخر، كسؤال عالق في ذهن طالباتٍ مسلماتٍ بفرنسا: لماذا يتحول حقٌّ طبيعي في تغطية الشعر إلى ساحة جدال، وإلى معركة لا يدركن سببها؟

هذه المشاهد قد لا تتقاطع دائماً، لكنها تتشابه في شيء واحد: إصرارٌ صامت على ألّا يتحول الجسد إلى ملكية عامة، وألّا يُملى على المرأة ما يجب أن تكون كي يتقبلها الآخر.

الحجاب ليس «قطعة قماش»، ولا ترفا اجتماعيا، بل هوية جامعة بين نساء المسلمين. لا كشعار، بل لأنه ممارسةٌ متجذّرة في منظومة قيمٍ ومعايير حياة وذاكرةٍ اجتماعية، إنه علامة انتماء.

ومن هذه المشاهد تستوقفنا صورةٌ لامرأةٍ مسلمةٍ، مكتملة الأناقة وواضحة الهوية بحجابها، تتلقى تكريماً رفيع المستوى من الدولة ذاتها التي تقيّد حجاب أخريات في بعض فضاءاتها. إن لهذه الوقفة قيمة رمزية أوسع من أن تُختزل في إنجاز شخصي، كويتي، خليجي، أو عربي، إنه انتصار للهوية الإسلامية.

إن الوقوف الشامخ للشيخة د. سعاد الصباح وهي تتقلّد الوسام مرتديةً حجابها كامرأة مبدعة، هو انتصار الثقافة للهوية. 

ويزداد المشهد تأكيداً حين ألقت حفيدتها، سعاد محمد العبدالله المبارك الصباح، كلمتها وهي ترتدي حجابها أيضاً. جيلٌ يسلّم جيلاً، لا بوصف الحجاب قيداً، بل بوصفه جزءاً طبيعياً من الحضور.

الهدف من هذا المقال قراءة الصورة الأعمق لانتصار الهوية، لا بالسياسة، بل بالثقافة. انتصار لا يحتاج إلى معارك دامية. الثقافة تنتصر بطريقتها، بصناعة الأثر، باستمرارية العطاء، وبإجبار العالم على رؤية المرأة كعنصر فاعل في المجتمع دون إطلاق الأحكام والتصنيفات، وتذكير دون صخب بأن هناك حقوقاً تُدافع عنها الكلمات الصادقة أحياناً أكثر مما تدافع عنها الشعارات الرنانة والأصوات العالية، وأن الهوية، حين تتكئ على ثقافة حيّة وإبداع حقيقي، لا تتوسل مكانها في العالم، بل تفرضه بعزّة وكرامة.

لقد اكتسب هذا الوسام رمزيته الأجمل حين استقر على صدر الشيخة د. سعاد الصباح، إذ بدا الاعتراف هنا احتفاءً بالعطاء الفني والأدبي كما هو، لا كما يُراد له أن يُصاغ أو يُؤوَّل. ولأن الأدب الحقيقي يتغذى على حرية التعبير وأثر الكلمة، فهو الأقدر على مقاومة أي خطاب إقصائي، وأقوى من محاولات طمس هوية الإنسان أو تجريده من علاماته.

 * أستاذة جامعية

back to top