بداية ونهاية
يشاع دائماً أن هناك كتباً تُترك بدافع الملل، ولكن في الحقيقة هناك ما يُترك لمدى أثره على النفس.
«بداية ونهاية»، هي رواية للراحل نجيب محفوظ تعود لعام ١٩٤٩، اجتماعية، تناولت حال الأسرة بعد وفاة المعيل الوحيد. ومن لا يحب القراءة له أن يشاهد الفيلم المقتبس من الرواية، والذي تم عرضه عام ١٩٦٠ بطولة عمر الشريف.
لا يمكنك أن تمر مرور الكرام على صفحات تلك الرواية بل تنجرف لا إرادياً بقراءة كلمة كلمة متخيلاً كل مشهد. صوّر الكاتب الشخصيات بالتفصيل فما كان لي إلا أن أقرأ صفحات لا تذكر وأغلق الكتاب، ليس بدافع الملل بل لقوة الرواية أكثر مما يجب.
تكاد تشعر بإحساس الشخصية، تسارع نبضات قلبه، حزنه، انكساره. برأيي قوة الكتّاب في السابق لا تقتصر على حبكة القصة بل بإبداعهم بجعل إحساس الشخصية ملموساً.
يتداول الكثير أنه على القارئ أن يصل إلى آخر صفحة قبل أن ينتقل لكتاب آخر، ولكني أرى أنه من الوعي أن يقف القارئ حينما يشعر بمدى تأثيره على نفسيته، قد يوقظ به إحساساً حاول جاهداً نسيانه، أو قد يجعله يلتفت لتفاصيل بحياته لم يعرها اهتماماً أو انتباهاً سابقاً.
فتخيل أن شخصاً ميسور الحال يحمل هم نظرة الناس عند دفن قريب له بمدفن بسيط، بدلاً من التركيز على ألم الفراق. هذا أحد المشاهد التي يمكن أن يتأثر بها قارئ بسيط بحال ميسور، والتأثير إما سلباً أو إيجاباً، يكمل القراءة أو يكتفي بهذا القدر.
رغم ألم المشاهد لكنني لا أنكر جمال الرواية، بل أرجو أن تعج المكتبات بمثيلاتها. نحتاج إلى رؤية الواقع كما هو دون رسوم خيالية، وهناك فرق بين حبكة مفعمة بالأمل وحبكة خيالية بعيدة عن الواقع.
ربما أكمل قراءة الكتاب وربما لا، أجهل ما تحمله الأيام، ولكن مؤكد أنه ترك أثراً واضحاً بي.