مفيد الوحش... وخيانات الجسد!

نشر في 18-12-2025 | 18:08
آخر تحديث 18-12-2025 | 19:54
 محمد راشد

طبيعتنا البشرية، وحُب الدنيا، والتعلُّق بها... أمورٌ تُجبرنا على عدم الاعتراف بأننا نكبر يوماً تلو آخر، بل ساعة بعد ساعة، فالإنسان يظن أنه يتغلَّب على آلامه الجسدية بقوته البدنية، لكنها في الحقيقة لا تعدو أن تكون صلابة عقلية داخلية ترفض الواقع، وتتمسَّك بالحياة، مهما بلغنا من العُمر عتياً!

قد تكون هناك خيانات كثيرة في معيشتنا اليومية، وتصنيفاتها، لا تقف عند حدٍّ معيَّن، لكن أكثرها شراسة وأشدها تحطيماً الخيانات الجسدية، المتمثلة في الأمراض، وعدم القدرة على ممارسة أنشطتنا المختلفة كما في السابق، وهذا لا شك هو الخُسران المبين.

في لقاءٍ مع الفنان السوري العملاق أيمن زيدان، سُئل عن الأمور التي تُقلقه. كانت إجابته واسعة المعاني، شاملة المضمون، تناسب كل زمان ومكان، إذ تناول الموضوع بكل إدراك لمعنى الحياة التي نعيش، قائلاً: «خيانات الجسد تُرعبني، فهي أقسى سيف ممكن أن يغمد في الحلم!». 

رأي الفنان أيمن زيدان، أو «مفيد الوحش»، كما أُحب أن أُطلق عليه منذ شاهدته لأول مرة في العمل الرائع «نهاية رجل شجاع»، لا يمكن أن يُوصف بأقل من حصافة وحنكة واتزان، لأنه- على ما يبدو- مبني على تجارب واقعية من محيطه، وفهم لما نراه اليوم من جحود وصدمات من حولنا، والمحصلة أن الخاسر الوحيد هو مَنْ يمر بهذا النوع من الخيانات، التي نسأل الله تعالى أن يحفظ الجميع من شرورها، وطعناتها الغادرة في غفلةٍ من الزمن.

خيانات البشر، خداع الحظ، وتقلبات الظروف، يمكن التأقلم معها، وكذلك التغلُّب عليها بوسائل وطُرق مختلفة ومتنوعة، لكن أقسى تلك الخيانات عندما يخذلنا الجسد، وتتحوَّل الأفعال إلى أُمنيات، إلا أن الروح المُحبَّة العاشقة للحياة، وبما تحمله من ذكريات وشغفٍ وأحلام تنبض رغم الألم، تبقى آخر معاقل الصمود والتحدي أمام كل ما هو قادم ومجهول.

أمراض، أوجاع، وأسقام... تختلف المسميات، ويبقى الأمر أولاً وأخيراً بيد الله سبحانه وتعالى. وما يحدث للإنسان من خيرٍ أو شر ما هو إلا سلسلة اختبارات ربانية، قد تكون وقتية، وربما مستمرة، إلا أن الخير وكل الخير فيها، لأنها إرادة رب العالمين التي تختار الأفضل لنا، وإن كُنا نراه غير ذلك.

back to top