ملامح توافق غربي على ضمانات أمنية لأوكرانيا يضع «كرة النار» بملعب موسكو
تتواصل التحركات الدبلوماسية الرامية لإيجاد حلّ للحرب الأوكرانية- الروسية بوتيرة متسارعة، أنتجت ما يبدو أنه ملامح توافق غربي، أو توافق أميركي- أوروبي- أوكراني، على شكل ضمانات أمنية قد تقنع أوكرانيا بالذهاب لتنازلات. أعاد هذا التوافق -رغم هشاشته- «كرة النار» للملعب الروسي، حيث سيكون على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اتخاذ قرار ما إذا كان بإمكان روسيا «هضم» تلك الضمانات أم لا.
وفي آخر المستجدات، بعد جولات من المفاوضات كان آخرها في برلين، توصلت واشنطن وكييف إلى تفاهم حول شكل الضمانات الأمنية الأميركية. وبحسب الجانبين، بات هناك شبه توافق على نحو 90 بالمئة من القضايا المطروحة في أي حل يُنهي الصراع المستمر منذ أن غزا بوتين أوكرانيا في فبراير 2022.
وكشف مسؤول أميركي لوسائل إعلام غربية بأن إدارة ترامب عرضت على أوكرانيا ضمانات أمنية قوية على غرار «المادة الخامسة»، في إشارة إلى بند الدفاع المشترك في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، فيما أشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الى أن التفاهم مع واشنطن ينصّ على جعل الضمانات الأمنية ملزمة قانونياً عبر إجراء تصويت في «الكونغرس» الأميركي.
وأجرى زيلينسكي خلال اليومين الماضيين محادثات في برلين مع المبعوث الخاص لترامب ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس جاريد كوشنر، في محاولة للتوصل إلى تسوية. وتضمّن البرنامج عشاء عمل بينهم وبين عدد من القادة الأوروبيين، من بينهم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس.
وقال القادة الأوروبيون، في بيان أمس الأول بعد اجتماع برلين، إنه يجب على الضمانات الأمنية أن تكون قوية، وأن تشمل نشر قوة متعددة الجنسيات بقيادة أوروبية في أوكرانيا، وكذلك المساعدة في إعادة بناء القوات المسلحة الأوكرانية بما يصل إلى 800 ألف جندي، وتأمين الأجواء الأوكرانية، وتقديم التزامات ملزمة قانونياً لمساعدة أوكرانيا في حال تعرّضها لهجوم روسي.
وفي مؤشر سلبي، جددت روسيا، أمس، رفضها انتشار أي قوات أطلسية في أوروبا، كما رفضت اقتراحاً قال زيلينسكي إنه نال موافقة واشنطن لهدنة على عيد الميلاد الذي يحلّ في وقت لاحق من الشهر الجاري.
وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف: «نحن نريد السلام، لا هدنة تمنح أوكرانيا فرصة لالتقاط الأنفاس والاستعداد لمواصلة الحرب».
ومن المرجح الآن أن يتحول الاهتمام إلى ردّ بوتين. وقال زيلينسكي إنه يتوقع أن تتشاور الولايات المتحدة مع روسيا لاحقاً، فيما قد يعود المفاوضون الأوكرانيون إلى أميركا لإجراء محادثات خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وإلى جانب الضمانات الأمنية، تبقى قضية التنازل عن الأراضي عالقة. وتطالب روسيا بالاعتراف بضمّها خمس مناطق أوكرانية في إطار ما تسميه «نوفوروسيا»، وهذه المناطق هي شبه جزيرة القرم التي ضمّتها في 2014، ومنطقة الدونباس شرق أوكرانيا، التي تضم إقليمَي دونيتسك ولوهانسك، إضافة الى إقليمَي خيرسون وزابورجيا جنوب أوكرانيا، وقد ضمّت موسكو هذه الأقاليم الأربعة في وقت مبكر من الحرب.
وقال زيلينسكي، الذي زار هولندا أمس، إنه لم يتم التوصل إلى توافق حتى الآن في المفاوضات بشأن مسألة الأراضي، كما لم تتم مناقشة إجراء استفتاء لحسم هذه المسألة.
وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، لا تزال إدارة ترامب مصرّة على ضرورة أن تتنازل أوكرانيا عن منطقة دونباس كاملة. ولم يتضح ما إذا كانت إدارة ترامب موافقة كذلك على ضمّ روسيا لخيرسون وزابورجيا، علماً بأن الخطة الأصلية التي اقترحتها واشنطن كانت تنص على منح دونيتسك ولوهانسك الى روسيا وتجميد خطوط القتال في خيرسون وزابورجيا.
ونقلت وكالة تاس الروسية للأنباء عن نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف قوله، أمس، إن روسيا لن تقدّم أي تنازلات تتعلق بالأراضي. وأوضحت الوكالة أن ريابكوف كان يتحدث عن دونباس وشبه جزيرة القرم و»نوفوروسيا».
في غضون ذلك، حافظ الأوروبيون الذي لا يثقون بإدارة ترامب على أقصى درجات الحذر. وخلال مؤتمر صحافي مع زيلينسكي، أمس الأول، في برلين، قال المستشار الألماني ميرتس إن التقدم «مازال محدوداً، لكن الفرصة حقيقية»، مشدداً على ضرورة تحقيق أهداف «يتفق عليها الأوكرانيون والأوروبيون والأميركيون». ولفت الى أن التركيز ينصبّ على وقف للنار يحافظ على سيادة أوكرانيا، مع ضمانات أمنية ملموسة.
بدورها، جدّدت فرنسا مطالبتها بتوفير «ضمانات أمنية قوية» لكييف قبل البحث في مسألة الأراضي، وفقا لأوساط ماكرون.