الحوار «الخليجي - الإيراني» ضرورة
قدّم منتدى الدوحة لهذا العام واحدة من أبرز الجلسات النقاشية الإقليمية، بعدما جمع بين الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، جاسم البديوي، ووزير خارجية إيران الأسبق، محمد جواد ظريف، إلى جانب نخبة من الخبراء الدوليين. جاءت الجلسة في وقت مشحون، بعد حرب غزة، والضربة الإسرائيلية على إيران في 13 يونيو 2025، وتزايد التساؤلات حول مستقبل الأمن الإقليمي، وخصوصاً في منطقة الخليج. أظهرت المداولات منذ لحظتها الأولى أن الجانبين يختلفان في طريقة قراءة المشهد برمّته، فظريف أعاد فتح صفحات تاريخية تمتد إلى مرحلة ما قبل 1971، وصولاً إلى ما تعتبره طهران «تحويل إيران إلى تهديد في الخطاب الدولي منذ التسعينيات!».
في المقابل، شدّد البديوي على أن دول مجلس التعاون تنطلق من أولوية واضحة هي «احترام السيادة، حسن الجوار، معالجة الملفات العالقة قبل الانتقال إلى أي إطار للتعاون». وبرز ملف حقل الدرّة بوصفه العنوان الأكثر حساسية في النقاش. فالكويت والسعودية تعتبران الحقل قضية ثنائية محسومة قانونياً، بينما ترى إيران أنه ملف ثلاثي لم يُستكمل التفاوض بشأنه، مما يكشف عمق الفجوة في فهم قواعد الأمن البحري والطاقة، ويطرح سؤالاً جوهرياً حول قدرة الأطراف على إدارة الأزمات المشتركة بعيداً عن التصعيد الإعلامي أو السياسي، و«الدرّة» بات رمزاً لاختبار النوايا وإمكانية بناء الثقة.
في جانب آخر من النقاش، برز شبه اتفاق على أن حرب غزة شكّلت نقطة تحوّل في إدراك طبيعة التهديدات في المنطقة، إذ أشار البديوي إلى أن استهداف قطر رسالة مباشرة مفادها أن الأمن اليوم لم يعُد قابلاً للتجزئة.
أما ظريف، فاعتبر تصوير إيران كتهديد جزءاً من «أمننة قديمة تستهدف دورها الإقليمي». وعند الحديث عن الحلول، عرض ظريف 3 مبادرات إيرانية للحوار الإقليمي، «مبادرة سلام هرمز»، و«مينارا»، و«مودّا»، في محاولة لإضفاء طابع مؤسسي على التواصل بين دول الخليج وإيران. غير أن السؤال بقي مطروحاً: هل لدى دول الخليج رؤية موازية تُترجم في مبادرة واضحة؟ وهل يمكن للطرفين الانتقال من إدارة الأزمات إلى بناء آليات مستقرة للحوار؟
بالنسبة إلى دول الخليج، يرتبط الأمن بالسيادة والقانون الدولي ووضوح الحدود، أما إيران، فتنظر إلى الأمن من زاوية التاريخ والجغرافيا ودورها الإقليمي وموقعها في توازنات القوى.
هذا الاختلاف في المنهجية يجعل الحوار ضرورياً، لكنه في الوقت نفسه يزيد من صعوبة الوصول إلى تفاهمات سريعة. لقد أظهر منتدى الدوحة أن الحوار، مهما كان صعباً، يبقى الخيار الأكثر واقعية. وربما تكون هذه الجلسة بداية مسار مختلف، يُعيد ترتيب العلاقة بين الخليج وإيران على أساس المصالح لا التوترات، وعلى المستقبل لا الماضي.
* أكاديمي في قسم العلوم السياسية - جامعة الكويت