غياب العين الحمراء
ثلاثة كُتّاب في عدد يناير/ فبراير «فورن افيرز» وضعوا إدارة الرئيس ترامب تحت المجهر، ليقولوا إن إدارة الرئيس الأميركي تمثل صورة حقيقية لما يسمى «الاستبداد التنافسي». في هذا النظام هناك انتخابات حقيقية لكن الرئيس يسيّس القضاء ويلاحق المعارضين عبر الأداة القانونية، ويمارس الضغط على الإعلام والمجتمع المدني، ويستخدم أجهزة الدولة لتخويف المعارضين.
ويلاحظ الكتاب الثلاثة أنه في ظل هذه الإدارة يُطبّق القانون انتقائياً عندما تحولت السلطة القضائية من أداة استقرار للمراكز القانونية إلى سلاح سياسي ضد الخصوم، وأن هذا النظام استهدف صحفاً كبرى بدعاوى تشهير، وأنه سيّس الأمن وأجهزة الشرطة، فقد استخدم الحرس الوطني في عدد من الولايات دون موافقتها، ويرفض الكتاب أن يقال، ما يحدث الآن يمثل امتداداً طبيعياً لتاريخ أميركي قديم، مثل المكارثية ووترغيت وغيرهما، فوزارة العدل لم تُسيّس بهذه الصورة من قبل، ولم يحدث أن استُخدِم القضاء لملاحقة المعارضين السياسيين.
وإذا كانت المحكمة العليا في الولايات المتحدة تاريخياً تمثل نموذجاً لفكرة الفصل بين السلطات، وحدّت من نفوذ السلطة الرئاسية حتى ولو كانت الأخيرة استهدفت الإصلاحات، كما حدث في عهد الرئيس فرانكلين روزفلت، فالآن يظهر مع تشكيلة الأغلبية المحافظة للقضاة أنها أداة بيد الرئاسة الأميركية.
المسألة الرئيسية للمقال، وهي الأهم والأخطر بالنسبة لدول عوالم القهر والاستبداد، أن الولايات المتحدة اليوم لم تعد تنظر «بالعين الحمراء» لممارسات تلك الدول الاستبدادية مع شعوبها، فهذا ليس من شأنها، ولا تكترث له طالما بقيت تلك الأنظمة المستبدة تدور حول المركز الأميركي وتحقق مصالحه.
هذا ليس جديداً على «الواقعية الأميركية» اليوم، فأميركا منذ زمن طويل شجّعت وأيّدت أنظمة سلطوية طالما انتهت تلك الأنظمة لخدمة المصالح الأميركية، إيران والانقلاب على الإصلاحي محمد مصدق تمثل نموذجاً لا يُنسى، ودول أميركا اللاتينية في الستينيات والسبعينيات - تشيلي كانت مثالاً - هي نماذج أخرى للواقعية الإمبريالية، لكن رغم ما سبق ذكره يبقى هناك حد أدنى تمثله «العين الحمراء» التي لم يعد أحد يراها اليوم، انتهاكات رهيبة لحقوق الإنسان تحدث في دول تستظل بالغمام الأميركي والأوروبي، ومع ذلك لا نسمع أي صوت، ولو كان نشازاً، من تلك الدول مُدعية حقوق الإنسان، يحذر من أن ما يحدث هو مسألة غلط وجريمة بحقوق الإنسان... الصمت واللامبالاة هما سمات عالمنا اليوم، وهذا أمر مخيف لكرامات خلق الله.