بالمختصر: الاعتداء على زينة الدنيا

نشر في 14-12-2025
آخر تحديث 13-12-2025 | 19:31
الاعتداء على الأطفال لا يجرح جسداً صغيراً فحسب، بل يجرح صورة العالم في عيونهم، ويُعيد تشكيل ثقتهم بالناس وبأنفسهم، وقد يترك ندبة تمتد مع العُمر كله.
 د. فهد إبراهيم الدوسري

وقعت في القاهرة قبل أيام واقعةٌ تُدمي القلوب، اعتداء على أطفالٍ أبرياء في مدرسةٍ يفترض أن تكون لهم بيتاً آمناً وامتداداً لطمأنينة الأسرة. جريمة تهزُّ الضمير قبل أن تهز الشارع، لأن الاعتداء هنا لم يكن على أجسادٍ صغيرة فقط، بل على زينة الدنيا، كما وصفهم الله... على براءةٍ خُلقت لتُصان، لا ليُتاجر بها أو تُنتهك. 

هذه الحادثة ليست استثناءً معزولاً، فحسب تقديرات حديثة صادرة عن اليونيسف، هناك ملايين الفتيات حول العالم تعرَّضن للاغتصاب أو الاعتداء الجنسي قبل بلوغهن 18 عاماً، أي ما يقارب واحدة من كل ثماني نساء في العالم مرَّت بتجربة عنف جنسي في طفولتها. ودراسات عالمية أخرى تشير إلى أن واحدة من كل خمس نساء، وواحداً من كل سبعة رجال فوق سن العشرين تعرَّضوا لشكلٍ من أشكال العنف الجنسي في طفولتهم. كما تُقدِّر تقارير أممية أن ما يصل إلى ملايين الأطفال عالمياً يتعرضون لأحد أشكال العنف: جسدي، أو عاطفي، أو جنسي، في هذا العالم المضطرب. هذه الأرقام ليست مجرَّد إحصاءات، إنها أجراس إنذار تقول لنا بوضوح: الطفل مهدَّد أحياناً في البيت، وأحياناً بالمدرسة، وأحياناً في فضاء الإنترنت... في أماكن يُفترض أن تكون الأشد أماناً له. دور الأم والأب: خط الدفاع الأول أمام هذا الواقع القاسي، لا يكفي أن نغضب أو نلعن المُجرمين، بل يجب أن نرفع وعي أطفالنا بأسلوب يُناسب أعمارهم، من دون تخويف، ومن دون كسر براءتهم. 

من أهم ما يمكن أن يقوم به الوالدان: 

• أن يربّيا الطفل على قاعدة واضحة: «جسمك ملك لك». • تعليم الطفل أن هناك مناطق خاصة في الجسد لا يحق لأحد أن يراها أو يلمسها، أياً كان، باستثناء الوالدين أو الطبيب عند الحاجة، وبوجود أحد الوالدين وموافقتهما. 

• توضيح أن أي شخص يطلب منه لمس هذه المناطق، أو كشفها، أو تصويرها، أو يهدِّده إن أخبر، فهو شخص سيئ وخطير مهما كان منصبه أو قُربه. 

• فتح باب الحوار الدائم مع الطفل، حتى يشعر أنه يستطيع أن يحكي من دون خوف من اللوم أو العقاب. 

• متابعة المدارس والحضانات، والسؤال عن سياساتها لحماية الأطفال، وكاميرات المراقبة، وآليات التبليغ والشكوى. 

حماية الطفل تبدأ من وعي الأم والأب، ثم من مدرسة تعرف أن الأمان النفسي والجسدي جزء من رسالتها، لا مجرَّد نشاطٍ جانبي. 

إن الاعتداء على الأطفال لا يجرح جسداً صغيراً فحسب، بل يجرح صورة العالم في عيونهم، ويُعيد تشكيل ثقتهم بالناس وبأنفسهم، وقد يترك ندبة تمتد مع العُمر كله. 

ويبقى واجبنا– كأفراد ومجتمع ومؤسسات– أن نجعل من كل بيت، وكل مدرسة، وكل فصلٍ دراسي، منطقة أمان لا يُخاف فيها على زينة الدنيا، بل تُصان فيها كرامتهم. 

دمتم بود

back to top