سوق تطبيقات واستخدامات الذكاء الاصطناعي
يمثل الذكاء الاصطناعي واحداً من أكثر العلوم تطوراً وتأثيراً في عصرنا الحاضر، فرغم أن جذوره الأكاديمية تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، فإنها لم تكن سوى الشرارة الأولى لواقعٍ تفوّق على كل ما يحمله الخيال العلمي ليشمل جميع مجالات الحياة.
بالأمس القريب كنّا نشكك في جهاز كشف الكذب، الذي يقيس مصداقية إجابات الفرد السيكولوجية والفسيولوجية عن الأسئلة، أما اليوم فإن برامج الذكاء الاصطناعي قادرة على قراءة ميول مستخدميها، بل توجيههم كما هو حاصل في بعض الألعاب.
خوارزميات الذكاء الاصطناعي تجاوزت المفاهيم العلمية والعقول البشرية بعد أن أحدثت ثورة غير مسبوقة في عالم المعرفة، حيث بات هذا التسارع المذهل كابوساً لا نعرف إلى ماذا يقودنا؟، وكيف سيكون وجه العالم بعد عشر سنوات؟ وهل بمقدورنا استيعاب حجم التغير الذي فرض إيقاعه على شؤون حياتنا وأعمالنا اليومية؟ وهل سنكون قادرين على مواكبة هذا التغيير أم سنكون ضحية له؟
اليوم تقوم علوم التطبيقات الذكية على رسم خريطة جديدة للبشرية، والحديث الأكثر قسوة ليس في التسهيلات التي تقدمها تلك البرامج ولا في استخداماتها بالمجالات الصناعية والعسكرية والترفيهية والطبية والزراعية وغيرها من فروع العلوم، لكن في قضائها على الكثير من الوظائف التي يعتاش عليها أغلبية البشر.
فبعد عشر سنوات وربما أكثر قليلاً كم من وظيفة تقليدية ستختفي كسائق السيارة، وعامل النظافة؟ وكم من التخصصات الطبية والهندسية لن يكون لها فائدة؟، نعم ممكن حدوث هذا ولو أنه مازال من الخيال المتاح كما هو حاصل مع الموظف الذي يقوم على إنجاز المعاملات الروتينية في الإدارات المالية والإدارية.
العالم تغير بشكل جنوني، والحديث تجاوز الوظائف المتاحة حالياً إلى ماهية الوظائف التي ستخلقها تلك التطبيقات الذكية، اليوم هناك أكثر من اثني عشر تخصصاً تدخل ضمن الفروع الرئيسية للذكاء الاصطناعي تتفاوت ما بين الوظائف التقنية الأساسية وبين الذكاء الاصطناعي التوليدي والدعم والإدارة الاستراتيجية، لكن ما يخفيه المستقبل قد يتجاوز توقعات الباحثين والمختصين.
ما يشاع عن التحول في مجال الذكاء الاصطناعي قد يكون مرعباً بمعنى الكلمة، حيث تشير التنبؤات إلى أن العالم سيشهد وظائف جديدة تصل لأكثر من 60% من مما نعرفه الآن، بل انها تشير إلى أن تلك الوظائف الجديدة ستكون مرتبطة بهذا العلم.
اليوم أيضاً تجد الفرد العادي أصبح جزءاً من تلك التطبيقات، ولأبسط الصورة، وليكن المثال الأول إدارياً والثاني ترفيهياً، حيث يستطيع الفرد إنجاز معظم معاملاته الإدارية من خلال هاتفه المحمول، وفي المثال الترفيهي ليكن برنامج «التيك توك» الذي يستخدمه ثُمن سكان العالم صراعاً بين الإدارة الأميركية والحكومة الصينية بهدف الاستحواذ عليه.
أتساءل كمتابع ولست من أصحاب الاختصاص حول التدابير التي اتخذتها حكوماتنا لمواكبة هذه الثورة العلمية، وهل استوعبت مؤسساتنا التعليمية قراءة الحاضر واستشراف المستقبل؟
وأتساءل أيضاً حول نوعية الشركات التي عقدتها حكومتنا مع الشركات الكبرى العاملة بهذا القطاع، وهل ستكون شريكاً في صناعة المحتوى أم شركاء عابرين؟
ودمتم سالمين