سفراء لبنان في الكويت
في الكويت، حيث تتلاقى القلوب قبل المصالح، وحيث تختبر صداقات الشعوب في لحظات السلم والحرب، يقف سفراء لبنان كرموز للحضور الأخلاقي والإنساني. هنا، ليس الوطن مجرد خريطة أو شعار، بل نبض حي في القلوب، وعلاقات ممتدة بالوفاء والصدق، وحكايات تروى قبل أي بروتوكول.
وعلى هذه الأرض، مر آخر ثلاثة سفراء لبنانيين، كل واحد منهم يحمل لبنان في روحه قبل أن يحمل أوراق اعتماده، ويترك بصمة لا تمحى في الوجدان.
أولهم د. جان معكرون... السفير الذي ترك وداعا يشبه المطر
وكان آخر الهدوء في زمن مضطرب، وآخر اللمسات التي تشبه يد أب يمسح تعب أبنائه.
مر بالكويت كعابر يعرف أن الكرامة لا تحتاج إلى ضجيج، وأن الدبلوماسية ليست كلمات رسمية فحسب، بل نظرة مطمئنة تشعر الجالية بأن هناك من يقف إلى جانبها مهما كثفت الغيوم فوق لبنان.
خلف هذا الهدوء، كان رجلا يعمل بصمت وحكمة، ويزرع مشاريع تتخطى السنوات، ويترك أثرا يبقى طويلا في الذاكرة والوجدان.
وقبل مجيئه إلى الكويت، أسس في أميركا بيت لبنان الذي جمع الهوية بذكريات الاغتراب، وأطلق مبادرات عديدة مثل سفراء بلا حدود والعودة إلى الجذور للشباب اللبناني في الاغتراب، فخرجت كتيبات تحمل أفكارهم وآراءهم.
وفي الكويت، أسس مجلس رجال الأعمال اللبنانيين وجمعية السيدات اللبنانيات، ليشعر كل لبناني أن الوطن حاضر أينما كان.
لم يترك معكرون إنجازات رسمية فحسب، بل ترك بصمة خالدة في القلوب، كرمز يذكرنا بأن لبنان يرقى حين يمثله من تحمل أخلاقه رقيا وروحه نبلا.
ثم جاء أحمد عرفة، رجل المرحلة الصعبة، الذي حمل لبنان على كتفيه بحكمة وثبات.
لم يكن مجرد سفير أو قائم بالأعمال، بل جسرا يربط وطنا مضطربا بأبنائه في الغربة.
أطلق خلال الحرب الأخيرة حملة تبرعات في الكويت لدعم المتضررين، جسد فيها معنى التضامن بين لبنان المغترب ولبنان المقيم.
ولاحقا أصبح سفير لبنان لدى الأمم المتحدة، مستمرا في حمل رسالة وطنه عالميا بصدق وثبات، تاركا أثرا في كل لقاء وكلمة، يمثل لبنان بأمانة وكفاءة لا تشوبهما شائبة.
واليوم، يبدأ السفير غادي الخوري مهمته في الكويت، حاملا تاريخا طويلا في العمل الدبلوماسي، وسجلا يشهد على كفاءته ومناقبه.
منذ اللحظة الأولى، ترك أثرا إيجابيا في كل من التقى به، وصار قريبا من القلوب بصراحته وصدقه ورفعة أخلاقه.
اختار الخوري أن تكون الكويت وجهته الدبلوماسية المفضلة، متجاوزا عروضا أخرى، لأنه يحب هذا البلد حبا صادقا، ويشعر بانتماء خاص لشعبه وتاريخه ومجتمعه.
حضوره يمنح طمأنينة وأملا، وكأن كل كلمة منه تحمل لبنان إلى النفوس والقلوب.
خبرته الطويلة وإنجازاته السابقة تؤسس لمسار واعد في العلاقات اللبنانية الكويتية، وتبث روح الوفاء والصدق في كل لقاء، ليصبح حضوره أكثر من سفارة... بل رسالة حية عن الأخلاق والوفاء والحب الذي يجعل القلوب تنبض لبنانا.
السفراء يأتون ويغادرون، لكن أثرهم يبقى حيا في القلوب.
إنجازهم الحقيقي ليس في المكاتب والوثائق، بل في القلوب التي تركوها دافئة، وفي الذكرى التي لا تنسى... حيث تصبح الدبلوماسية فن الأخلاق وحكاية الوفاء.