الذكاء الاصطناعي... وسباق التسلح التكنولوجي

نشر في 12-12-2025
آخر تحديث 11-12-2025 | 20:56
 إبراهيم حامد العاسمي تشتعل اليوم منافسة عالمية شرسة على مستويات عدة بما يمكن أن نسميه «سباق التسلح التكنولوجي»، الذي يدور على عدة جبهات أولاها المعالجات والشرائح الإلكترونية المتقدمة التي تقوم عليها ثورة الذكاء الاصطناعي، والتي أصبحت واحداً من أهم الصراعات الاستراتيجية في العالم، هذه الرقاقات، المستخدمة في تدريب وتشغيل النماذج الضخمة، أصبحت أشبه بـ «نفط العصر الرقمي» من يملكها ويسيطر على سلاسل توريدها يمتلك قوة اقتصادية وأمنية هائلة. الولايات المتحدة تسعى للحد من وصول الشرائح الأعلى تطوراً إلى منافسين مثل الصين عبر قيود تصدير وشروط صارمة على الشركات المنتجة، بينما تستثمر بكين مئات المليارات لبناء صناعة محلية قادرة على كسر هذا الحصار التقني. في الوسط تقف دول مثل تايوان وكوريا الجنوبية وهولندا بوصفها عقداً حاسمة في التصنيع والتجهيز والتقنيات الفائقة الدقة، مما يحوّل مصانع الشرائح إلى نقاط توتر جيوسياسي لا تقل حساسية عن الممرات البحرية أو مصادر الطاقة. هذا الصراع لا يدور فقط على مستوى التجارة، بل يمتد إلى الأمن القومي والعسكري والذكاء الاصطناعي العسكري والتجسسي، لأن التفوق في صناعة وتأمين الشرائح يعني التفوق في الحوسبة الفائقة، وبالتالي امتلاك أفضل النماذج الذكية وأقواها تأثيراً في الاقتصاد والحرب والإعلام وصنع القرار.
العنوان الثاني لمعركة لا تقل شراسة عن معركة الشرائح والعتاد هو «سباق البيانات»؛ فالشركة التي تمتلك أكبر قدر من البيانات المتنوعة والنظيفة (من محركات البحث، ومنصات التواصل، والخدمات السحابية) تملك وقوداً لا غنى عنه لتدريب نماذجها لتصبح أكثر دقة وقوة، ثم يأتي الصراع على النماذج نفسها والجميع يحرصون على تقديم النماذج الأذكى والأسرع والأرخص استخداماً، كما أن الأمر لا يتعلق فقط ببناء نموذج ذكي، بل بكيفية تقديمه للمستخدم النهائي، ومن ينجح في جذب المطورين والشركات (الزبائن) لاعتماد واجهاته البرمجية ومنصاته السحابية لبناء تطبيقاتهم فوقها. ومن خلف ذلك كله يدور تنافس على المواهب البشرية؛ فشركات وادي السيليكون والصين والخليج تتسابق في استقطاب أفضل الباحثين والمهندسين برواتب فلكية، لأن العقول التي تصمّم الخوارزميات لا تقل قيمة عن الخوادم التي تشغّلها.
كما يشتد التنافس على الهيمنة على المنصات والتي تمثل أهدافاً استراتيجية، إذ تسعى كل شركة لاحتلال موقعها في “منصة المستقبل”، تلك المنصة التي ستكون بوابة العالم الرقمي لعقود قادمة. فمن يسيطر على المنصة يسيطر على مليارات المستخدمين، ويدير حركة الاقتصاد الرقمي بأكمله، لذلك تحاول كل شركة أن تجعل أدواتها وخدماتها المعيار السائد في السوق، وفرضها لتكون “حاجة أساسية” لا يمكن الاستغناء عنها في حياتنا اليومية، بحيث يصبح الخروج من نظامها مكلفًا وصعبًا.
أما الصراع المسكوت عنه فهو حول وضع القواعد التنظيمية؛ إذ تسعى بعض الشركات للتأثير في التشريعات الأوروبية والأميركية والدولية، بما يحمي نماذجها ومصالحها، ويضع عوائق أمام منافسين أصغر أو دول صاعدة تحاول اللحاق بهذا الركب. وبهذه العناصر مجتمعة، يتحوّل الذكاء الاصطناعي من مجرد تقنية واعدة إلى ساحة تنافس اقتصادي وسياسي شامل.

* كاتب سوري مقيم في كندا    
back to top