لبنان «الشبح»كان منارة الشرق

نشر في 12-12-2025
آخر تحديث 11-12-2025 | 17:39
 نادين الفقيه

إن أصبح البلد «غابة» فليس بالضرورة أن تصبح حيواناً!

قد يكون هذا القول مبعثاً للضحك، ولكني حينما قرأته، تجلّت أمامي صورة بلدي الحبيب لبنان بكل تفاصيله وتناقضاته، والذي أصبح اليوم شبحاً لما كان عليه سابقاً. لبنان الذي كان منارة للشرق، لبنان الحضارة والتاريخ والجمال والطبيعة والفن والأدب والموسيقى والشعر والفكر والطب أصبح اليوم مثالاً على الدولة الفاشلة، بلد نهشه الفساد ودمّره الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والمالي حتى وصل على أعتاب الانهيار التام بشكل يتهدّد وجوده، ويقف ضعيفاً أمام شبح الاحتلال والتقسيم والزوال.

وهنا أسأل المواطن اللبناني: أين الزعماء ورجال الدولة أصحاب مليارات الدولارات في لبنان مما يحصل والذين لا يفقهون من الزعامة شيئاً، حتى انهم لقاء المليارات التي نهبوها من لبنان هم غير مستعدين لإنقاذه من الانهيار؟ أم ان المليارات ليست كافية وربما يجب أن يحصلوا على تريليونات الدولارات ليغدقوا علينا بوقتهم الثمين؟ ما هو المطلوب بعد أن امتلأت جيوبهم بالأموال التي تغني ولد الولد؟

أفضل طريقة لاستيعاب الفرق بين المليون والمليار دولار هي قياسهم بالنسبة للزمن: فإن مليون ثانية يساوي 11 يوماً ونصفاً، أما مليار ثانية فيساوي 32 سنة!

ليس لدى لبنان أي من المؤسسات العالمية التي تدرّ مليارات الدولارات سنوياً مثل شركة مايكروسوفت، ولا شركة أمازون، ولا أبل، ولا تويوتا، ولا تسلا، ولا أرامكو، ولا يعتمد لبنان على إنتاج أي من الصناعات الثقيلة، ولا يساهم بأي نسبة من ناتج التصنيع العالمي مثل الدول الصناعية العشر الأكبر في العالم، ولبنان بلد صغير المساحة، ولديه اقتصاد محدود وفقير بالموارد الطبيعية، ولا يملك أدنى مقومات البحث والتطوير والابتكار، مع قطاع زراعي وصناعي وسياحي ضعيف نسبياً، ولا يصدّر لبنان إلى العالم إلا بعض الفاكهة والخضراوات التي لا تتجاوز حدود البلاد العربية، بمعنى آخر لا يوجد أي منتوج يبيعه لبنان إلى السوق العالمي يدر عليه مليارات الدولارات.

ألا يجد اللبناني أنه من الغريب أن زعماءه من أصحاب المليارات؟! مهما كان لديهم من أعمال خاصة، فما هو الذي يمكن أن يدرّ عليهم كل هذا الثراء الفاحش؟ ملايين الدولارات ممكن، ولكن ليس مليارات الدولارات... إنه الفساد، إنه سرقة أموال الدولة، المال العام. لا يمكنني إلا أن أفكّر ما كان يمكن لهذا المال العام أن يحدثه لو تم إنفاقه على نمو وازدهار هذا البلد المنكوب... دعونا لا نخدع أنفسنا، كل الطبقة السياسية ساهمت في الفساد ودمار البلد من دون استثناء، وكلهم تقاسموا الكعكة سوياً.

أمّا الآن، ألا تظن أيها اللبناني أن زعيمك قد أصبح غنياً كفاية؟ زعيمك يستمد زعامته وقوته منك، وهو يحتاجك أن تحتاج إليه، هو يُحكم قبضته على رقبتك بحيث تشعر بالامتنان له لأنك حي! المرء ينسى أن الراعي الذي يعتني بالخراف ويحميها من الذئاب هو الذي في النهاية يذبح هذه الخراف، فالخروف الذي أمضى عمره يخاف من الذئب ويأمن الراعي كان حرياً به أن يخاف من الراعي نفسه.

back to top