تقرير اقتصادي: ميزانية دون برنامج عمل... مليارات بلا سياسات

● انخفاض أسعار النفط وتصاعد الدَّين العام يضغطان على المالية العامة
● الإصلاح المالي والاقتصادي أعمق من مجرد قرارات تقليص أو جباية أموال
● المسح الصناعي يكشف غياب استراتيجية تحويل الدعوم الميسّرة إلى منافع اقتصادية

نشر في 11-12-2025
آخر تحديث 10-12-2025 | 18:52
محمد البغلي
محمد البغلي

تعمل وزارة المالية في الفترة الحالية على إعداد مشروع الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2026 -2027، في وقت تتعرّض المالية العامة في البلاد لضغوط مستمرة، كتراجع أسعار النفط الخام، ومستحدثة مثل تنامي مستوى الديون السيادية، وسط تحديات أهمها أن تثبت الإدارة التنفيذية في البلاد أن ما اتخذته من إجراءات تقشفية وسياسات تقليص إنفاق قد أفضت الى نتائج تخفض من أعباء ميزانية الدولة لا أن تعمّقها.

فمنذ تشكيل الحكومة الحالية قبل 18 شهراً، تم اتخاذ مجموعة من السياسات والقرارات المالية كإلغاء تأمين عافية الصحي الخاص بالمتقاعدين، أو التأمين المتعلق ببعض الجهات الحكومية، وعدد من الامتيازات المالية لموظفي القطاع العام، فضلاً عن فرض الضريبة على الشركات المتعددة الجنسيات، وفتح المجال لإعادة تسعير العديد من الرسوم المالية الخاصة بالانتفاع بالخدمات العامة والمرافق، بغرض خفض المصروفات وتنمية الإيرادات، خصوصاً غير النفطية.

لا قيمة للمقترحات الإصلاحية في غياب برنامج عمل مرتفع الكفاءة يتولاه مجلس وزراء يعمل كفريق تنموي واحد

ليست أرقاماً 

غير أن الإصلاح المالي والاقتصادي مسألة أعمق من مجرد قرارات تقليص أو جباية أموال، فهي بالنسبة لدولة مثل الكويت تعتمد في إيراداتها، بما يوازي 90 بالمئة، على إيرادات النفط ويوظف القطاع العام نحو 84 بالمئة من قوة العمل الكويتية، وتنفق ما يتجاوز 80 بالمئة من مصروفاتها على الرواتب والدعوم، ولا تربط بين الإنفاق الاستثماري البالغ 9 بالمئة وعوائده التنموية، حيث يتطلب أي إصلاح مالي واقتصادي عدم التعامل مع الميزانية الجديدة كأرقام فقط، بل سياسات تهدف الى معالجة العديد من الاختلالات الأساسية كتنمية الإيرادات غير النفطية أو إصلاح سوق العمل والتركيبة السكانية، فضلاً عن تنمية الناتج المحلي الإجمالي وتنويعه.

تحويل وسياسات 

لذلك لا يمكن تصوّر كفاءة إنفاق أي ميزانية عامة للدولة أو حساب ختامي دون وجود برنامج عمل حكومي مهمته تحويل الأرقام الصماء في الميزانية إلى سياسات تخلق الفرص والوظائف في القطاع الخاص، وتنمّي البيئة الاستثمارية المحفزة لتدفق الإيرادات الضريبية على مختلف الأعمال والشركات، مع الأخذ بعين الاعتبار الآثار التضخمية، فضلاً عن إعادة هيكلة الدعوم نحو مستحقيها من الأفراد أو الشركات التي تقدم خدمات ضرورية يحتاجها المستهلكون، مع التأكيد ليس فقط على أهمية زيادة الإنفاق الاستثماري في الميزانية، بل على رفع كفاءة هذا الإنفاق ليكون ذا أثر فاعل في خلق الفرص الاستثمارية والوظيفية التي يحتاجها الاقتصاد.

فلسفة الأصول السيادية تتمثل في تنميتها لتكون خزينة متاحة لتجاوز أي فترات صعبة والاستثمار في مشاريع مستدامة

فلسفة واستدامة 

وليس من قبيل التشاؤم القول إن انخفاض أسعار النفط الى مستويات 63 دولاراً حالياً للبرميل، مع توقّعات قاتمة للطلب العالمي بالتوازي مع تراجع أو ثبات علاوة المخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط وأوكرانيا، مع بلوغ مستوى الدَّين السيادي للكويت المحلي والخارجي ل 5.5 مليارات دينار، ما يناهز 13 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، يشكّلان ضغطاً على المالية العامة للدولة، حتى مع وجود أصول سيادية مقدّرة عند ما يتجاوز تريليون دولار.

ففلسفة وجود الأصول السيادية تتمثل في تنميتها لتكون خزينة متاحة لتجاوز أي فترات صعبة مؤقتة، أو أن توجّه الى بناء مشاريع اقتصادية حقيقية ذات استدامة، وليس لسداد ديون سيادية أو عجوزات سنوية.

رفع الإنفاق الاستثماري لا يتوقف على قيمته... بل كفاءته في خلق الفرص الاستثمارية والوظيفية التي يحتاجها الاقتصاد

المسح الصناعي

ولعل ما ورد في تقرير المسح الصناعي لعام 2024، الذي أصدره رئيس الهيئة العامة للصناعة بالتكليف، شملان الجحيدلي - بعد مسح 741 منشأة صناعية مرخصة، تبيّن فيها أن العمالة الوطنية تشكل 11 بالمئة فقط من إجمالي العاملين في القطاع الصناعي، البالغ عددعم 109 آلاف عامل - يشير ليس فقط إلى اختلال سياسات التوطين في قطاع معيّن، بل إلى ضعف وجود استراتيجية حكومية لتحويل الدعوم الميسّرة من أراضٍ وطاقة، فضلاً عن عمليات الشراء إلى منافع اقتصادية تخلق فرص عمل واستثمارات ومشاريع صغيرة ومتوسطة، وكلها تصبّ في تنمية وتنويع الناتج المحلي، وما ينعكس منه في إصلاحات الميزانية العامة.

مظلة وفريق 

ثمّة كثير مما يمكن اقتراحه بشأن ضرورة ضبط سقف مصروفات الميزانية، أو أهمية إعادة استقطاع نسبة ال 10 بالمئة من الإيرادات النفطية إلى صندوق احتياطي الأجيال أو تنمية الإيرادات وغيرها، لكن هذا كله، رغم صحته، لا يمكن أن يكون ذا قيمة إذا لم تكن مظلته برنامج عمل حكومي فعلي مرتفع الكفاءة يتولاه مجلس وزراء يعمل كفريق تنموي واحد، تتوافر لديه أدوات القياس والتقويم، وهدفه تحويل إنفاق مليارات الدنانير في الميزانية (24.5 مليار دينار) إلى معالجات اقتصادية مستدامة.

back to top