التعليم الغربي نهض بالهند

نشر في 10-12-2025
آخر تحديث 09-12-2025 | 17:56
 وول ستريت جورنال

رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي غاضب هذه الأيام من رجل إنكليزي تُوفي قبل أكثر من 150 عاماً: توماس بابينغتون ماكولاي، مهندس إدخال التعليم الغربي واللغة الإنكليزية إلى الهند. في الأسابيع الماضية، صعّد مودي هجماته على ماكولاي، متهماً إياه بأنه «حطم ثقتنا بأنفسنا» وخلق «عقدة نقص» في الوجدان الهندي، بل ذهب إلى القول إن ماكولاي وضع “أساس العبودية الذهنية” في البلاد. هذه اللغة قد تصلح لحشد الجماهير القومية، لكنها تتجاهل حقيقة أساسية: ماكولاي، رغم كل ما يمكن انتقاده فيه، ساعد الهند أكثر مما أضرّها.

فمن دون التعليم الغربي والإنكليزية، ربما كانت الهند اليوم أشبه ببلد ضخم لكنه متخلف، لا قوة عالمية صاعدة. لعبت الإنكليزية دوراً محورياً في جمع الهنود المتعلمين عبر فجوات لغوية وثقافية هائلة، وسمحت بتكوين نخبة قادرة على التواصل داخلياً ومع العالم الخارجي. والقول بأن الإنكليزية أداة قمع، كما يلمح بعض القوميين، يتجاهل أن الهند تضم أكثر من اثنتي عشرة لغة رئيسية، وأن الإنكليزية —لا الهندية— هي الضامن الوحيد لعدم هيمنة لغة على أخرى.

يعود الجدل الحالي إلى عام 1835، حين كان النفوذ البريطاني في الهند بيد شركة الهند الشرقية. في ذلك العام انتصر ماكولاي في النقاش حول لغة التعليم، ودفع باتجاه تدريس العلوم والفكر الحديث باللغة الإنكليزية بدلاً من الاقتصار على السنسكريتية والعربية. كثير من الانتقادات التي تستهدفه اليوم مبنية على معلومات زائفة، كخطاب متداول يدّعي أنه تعهد “بتدمير العمود الفقري للهند”، وهو شيء لم يحدث أصلاً. لكن بعض الغضب موجه إلى ما قاله فعلاً: فقد كان يرى التعليم الإنكليزي مشروعاً “تمدينياً”، ودعا إلى خلق طبقة “هندية دماً ولوناً، لكنها إنكليزية ذوقاً وفكراً”.

هذه الجملة تحديداً تُستَخدم اليوم لإعادة تشكيل ماكولاي كشرير استعماري مبسّط. لكن واقع الرجل أكثر تعقيداً. كان عبقرياً لغوياً ومثقفاً لامعاً، ابن عصره بالتأكيد، لكنه أيضاً مؤمن بقدرة الهند على التقدم، ورأى في التعليم الغربي بوابة لتكوين طبقة تنافس عالمياً. حتى رؤيته بأن الإنكليزية قد تطوّر اللغات المحلية بإدخال مفاهيم حديثة لم تكن فِكراً استعلائياً بقدر ما كانت رؤية إصلاحية نادرة في زمنه.

الهند الحديثة، بكل تنوّعها اللغوي الهائل، كانت لتواجه صعوبات جمّة لو لم تتبنَ الإنكليزية كلغة مشتركة. على عكس اليابان أو الصين، الهند ليست دولة لغوية واحدة، فهي فسيفساء من اللغات. الإنكليزية هنا عامل توازن، وليست رمزاً للهيمنة، وأكثر من 10% من الهنود يتحدثونها، وهي لغة الصعود الاجتماعي والمهن الحديثة.

قد يهاجم مودي إرث ماكولاي لاعتبارات سياسية، لكن هذا الإرث ثابت: الإنكليزية والتعليم الغربي كانا من أهم ركائز نهضة الهند، ولن يختفيا مهما تعاظم صخب الشعارات القومية.

* ساداناند دومه

back to top