لماذا تحتاج الكويت إلى مشروع الجينوم الآن؟! 1-2
تواجه دولة الكويت، مثلها مثل كثير من دول المنطقة، مجموعة متصاعدة من التحديات الصحية التي باتت تشكّل عبئاً على النظام الصحي وعلى جودة الحياة العامة، فمعدلات السكري محلياً أصبحت من الأعلى عالمياً، إلى جانب السمنة وأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم، وهي أمراض متعددة العوامل تتداخل فيها الجينات مع البيئة ونمط الحياة. وعلى الجانب الآخر، تبرز الأمراض الوراثية النادرة كنتيجة لارتفاع معدلات زواج الأقارب، والتي قد تصل إلى ثلث الزيجات بين المواطنين، ما يؤدي إلى تزايد ظهور الطفرات المتنحية المرتبطة بأمراض وراثية خطيرة لدى الأطفال.
هذه التحديات مجتمعة أصبحت سبباً رئيسياً لارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، وزيادة الضغط على المستشفيات، وتراجع القدرة على التخطيط الصحي المستقبلي. أمام هذا الواقع، لم يعد الاستثمار في مشروع الجينوم ترفاً علمياً، بل ضرورة استراتيجية تعيد تشكيل فهمنا للمرض وطريقة تعاملنا معه. تكمن أهمية مشروع الجينوم الوطني في كونه الأساس لبناء طب قائم على الأدلة الدقيقة، إذ يفتح الباب لفهم الأمراض النادرة بطريقة أسرع وأكثر وضوحاً.
يعاني المرضى المصابون بهذه الاضطرابات في كثير من الأحيان من رحلة تشخيص طويلة تمتد لسنوات، يخضعون خلالها لفحوصات متعددة دون الوصول إلى تفسير واضح. من خلال الجينوم يمكن اختصار هذه الرحلة، وتحديد الطفرة المسؤولة بدقة، وتوجيه الخطة العلاجية بناءً على معرفة علمية مؤكدة، ما يرفع معدل الشفاء ويقلل الهدر في الإجراءات الطبية غير الضرورية. هذا جانب بالغ الأهمية في الكويت نظراً لارتفاع نسب الأمراض الوراثية الناتجة عن الزواج بين الأقارب، ما يجعل التشخيص الجيني المبكر أداة إنقاذية للأسر والقطاع الصحي.
وفي الوقت نفسه، يقدّم مشروع الجينوم فهماً جديداً للأمراض المزمنة متعددة العوامل، كالسكري والسمنة وأمراض القلب، عبر تحليل المخاطر الجينية الفردية، وربطها بالبيئة ونمط الحياة. وهو ما يفتح الباب أمام تطبيق «الطب الدقيق» الذي يعتمد على إعطاء العلاج المناسب للمريض المناسب، بما في ذلك ضبط جرعات الأدوية وفق القدرة الجينية على استقلابها، كما أثبتت التجارب العالمية أن كل دولار يستثمر في الجينوم يعود بفوائد مضاعفة تتراوح بين خمسة وعشرة دولارات عبر تقليل أخطاء التشخيص وخفض الإقامة في المستشفيات وتقليل الهدر في العلاجات.
ويمهّد هذا الاستثمار لتطوير منظومة صحية قادرة على التنبؤ بالمخاطر قبل وقوعها، وتوجيه الموارد بشكل أكثر كفاءة. وفي الجزء الثاني، ننتقل من الجانب الطبي والاقتصادي إلى سؤال محوري: كيف يمكن لمشروع الجينوم أن يعيد تشكيل البيئة البحثية في الكويت ويخلق اقتصاداً معرفياً جديداً؟