السلطة الخامسة... المجتمع المدني ومنظماته
يعتمد نظام الحكم في الدول على ثلاث سلطات: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية. وكلما تمتعت كل من هذه السلطات باستقلاليتها وحيادها ونزاهتها، وكلما حرصت السلطة التنفيذية في دولة ما على عدم التدخل في مجالات السلطتين الأخريين، تمكنا من القول إن هذه الدولة تحترم سيادة القانون وتحرص عليها فعلياً.
ويجرى الحديث في مختلف الدول، ومنذ عدة عقود، عن السلطة الرابعة والمتمثلة في العديد من وسائل الإعلام ودورها في الرقابة والمتابعة والنقد والاستقصاء والنشر، بل ويتم الحديث منذ سنوات عن مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وعن دور المؤثرين الذين يُنظر إليهم كجزء من هذه السلطة الرابعة.
ولكن يتم التطرق، وعلى فترات متباعدة، إلى ما أطلق عليه بعضهم صفة السلطة الخامسة والمتمثلة في المجتمع المدني ومختلف مكوناته. ونذكر أنه لا يوجد تعريف جامع مانع لمصطلح المجتمع المدني، ويمكننا القول إنه: المجتمع الذي يضم أفراداً وعناصر مجتمعية مختلفة تتشارك في نفس التطلعات وتعمل على تحقيق أهداف مشتركة بهدف تحقيق العدالة والمساواة واحترام الكرامة الإنسانية في ظل دولة المؤسسات وسيادة القانون.
وبينت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة مكونات المجتمع المدني، نذكر من بينها: المنظمات غير الحكومية، والمدافعون عن حقوق الإنسان، والتحالفات والشبكات المهتمة: بحقوق المرأة، والطفل، وذوي الإعاقة، وكبار السن، والحقوق البيئة، والمهنيون الذين يساهمون مباشرة في التمتع بحقوق الإنسان مثل المدونين، والعاملين الإنسانيين، والمحامين، والأطباء والعاملين الطبيين، والمؤسسات العامة التي تقوم بأنشطة بهدف تعزيز حقوق الإنسان: كالمدارس، والجامعات، والهيئات البحثية، والنوادي الطلابية، ونقابات العمال، والجمعيات الدينية، والجمعيات الخيرية والإنسانية.
وأريد أن أتوقف عند المنظمات غير الحكومية كمكون أساس في المجتمع المدني وبغض النظر عن اختلاف أشكال هذه المنظمات وأهدافها ونشاطاتها لأنني أعتبرها بالفعل كسلطة خامسة يمكن أن تلعب أولاً دورها على الصعيد الوطني إلى جانب السلطات الأخرى في تعزيز احترام ودعم مفاهيم: الدولة المدنية، والمواطنة، وسيادة القانون، والسلم الأهلي، وحقوق الإنسان.
ويمكن للمنظمات غير الحكومية أن تلعب ثانياً دورها إقليمياً، وكمثال على ذلك وجود هيئة تمثيلية تابعة لمنظمة مجلس أوروبا ومقرها مدينة ستراسبورغ الفرنسية وتضم 46 دولة أوروبية، وهذه الهيئة معروفة باسم: مؤتمر المنظمات الدولية غير الحكومية، وهو يتمتع بوضع مشارك في هذه المنظمة الأوروبية الإقليمية ويساهم في نشاطاتها.
ولا ننسى أخيراً بأنه يمكن للمنظمات غير الحكومية أن تلعب دورها على الصعيد الدولي، وكمثال من بين عدة أمثلة: تقديم معلومات موثوقة وأدلة ووثائق إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية عن تورط أفراد، من دولة طرف في نظام هذه المحكمة أو دولة قبلت باختصاص هذه المحكمة، أو ارتكابهم لجرائم نص عليها نظامها، على أراضي إحدى هذه الدول، بقصد فتح تحقيق في هذه الجرائم.
ونرى بذلك الدور الحيوي والعملي والمهم لمنظمات المجتمع المدني، وكيف يمكن أن تكون مفيدة وفعّالة وطنياً وإقليمياً ودولياً في عدة مجالات لمصلحة الأفراد والمجتمعات والدول أيضاً. فيجب أن تتاح الفرص دائماً للمجتمع المدني ومختلف مكوناته للعب دورها، فهم صمام أمان الدولة وعنصر حاسم في استقرارها وازدهارها ونموها.