قانون الوصية الواجبة... أين الخلل في النقاش؟

نشر في 05-12-2025
آخر تحديث 04-12-2025 | 17:16
 محمد صالح السبتي

بداية - وقبل التفصيل - يجب أن نعي حقيقة واضحة جداً وهي أن قانون الوصية الواجبة المعمول به لا دخل له بنظام المواريث ولا يغير هذا النظام ألبتة. 

وذلك أنه وبعد طرح مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية المعمول به والذي تضمن إلغاء الوصية الواجبة ودون الولوج في الخلاف في شرعية قانون الوصية الواجبة من عدمه، إذ ليس هذا المراد هنا من هذا المقال، إلا أن هناك ملاحظات مهمة على بعض الآراء المطروحة والخاصة بعدم الموافقة عليه:

أولاً: وذلك أن كثيراً من المؤيدين لمشروع قانون الأحوال الشخصية المقترح بإلغاء قانون الوصية الواجبة طرحوا في أسباب هذا التأييد أن القانون قام بتغيير نظام الإرث في الشرع بتوريث من ليس بوارث، وأن هذا الرأي مخالف للشرع ولم يقل به أحد من العلماء في السابق، ويتم هذا الطرح بإقناع العامة أن هذا القانون يخالف الشريعة بمخالفته لنظام المواريث.

وهذا خلط غير صحيح البتة، إذ إن نظام الوصية الواجبة لا دخل له أبداً بنظام المواريث، إنما هو خاص بنظام الوصايا، دون أي تدخل من القانون بالورثة سواء من ناحية استحقاقهم أو مقدار حصصهم.

وذلك أن المعلوم يقيناً أنه وقبل توزيع التركة ينظر إلى الديون إن وجدت وإلى الوصية من المتوفى إن وجدت أيضاً، فتؤدى الديون في البداية، ثم يتم استقطاع الوصية أيضاً والباقي يكون للورثة وهم على فئتين: إما أصحاب فروض أو عصبات، ويتم توزيع التركة عليهم وفق النظام الشرعي بذلك. فالوصية والديون - إن وجدت - لا دخل لها بقسمة المواريث وطريقتها والحصص المستحقة.

ومناط التدخل من القانون ينحصر في مسألة واحدة فقط: وهي أنه قام برفع درجة (الوصية) فبدلاً من كونها مستحبة بجعلها واجبة بحكم القانون فقط، والمعنى أن الجميع متفق على أنه من المستحب أن يقوم الشخص بالوصية لأبناء ابنه إذا توفي قبله، إلا أن القانون جعل هذه الوصية واجبة حتى لو لم يوصِ بها.

والمراد هنا أن قانون الوصية الواجبة لا دخل له أبداً بنظام المواريث إنما هو خاص بنظام الوصايا – حتى لو كان المؤدى واحداً – وأنه لم يتدخل إلا برفع درجة حكم الوصية بجعلها واجبة بحكم القانون بدلاً من كونها مستحبة بالاتفاق.

وهذه مسألة مهمة جداً في حال نقاش مثل هذا الأمر حتى لا يتوهم متوهم أن هذا القانون يغير نظام المواريث.

والقول المنتشر أخيراً بين بعض المختصين أو العامة أن «قانون الوصية الواجبة ورّث من ليس بوارث شرعاً» قول يخالف الحقيقة، فالموصى لهم سواء اختياراً أو وجوباً ليسوا ورثة إنما هم موصى لهم، حالهم حال الدائن الذي يستوفي دينه من التركة قبل توزيعها وليس بوارث.

ثانياً: مشروع القانون الجديد اختار اختيارات لا وجود لها في حكم الشرع مراعاة للمصلحة العامة، فهل ينطبق عليها ذات الحجج في أسباب إلغاء قانون الوصية الواجبة؟

مثلاً في المادة 14 من مشروع القانون المقترح ما نصه «يمنع توثيق عقد الزواج أو المصادقة عليه لمن لم يبلغ من العمر 18 عاما وقت التوثيق». 

وقد جاء في مذكرة هذه المادة المقترحة أن «هذه المادة جاءت استناداً لدستور دولة الكويت الذي يؤكد حماية الأسرة والأمومة والطفولة بما يتوافق مع الشريعة ويراعي التزامات الكويت الدولية». 

وعلى ذات النهج الذي يستند إليه الممانعون لقانون الوصية الواجبة: هل تعتبر هذه المادة تحريم أشياء لم يأتِ الشرع بتحريمها؟ أو منع أشياء لم ينص على منعها؟ إذ كيف يتم منع توثيق الزواج لمن يقل عمره عن 18 سنة؟ ومن يقول بهذا من علماء الشريعة السابقين الذين نستند لأقوالهم في عدم النص على وجوب الوصية لبعض الحالات؟ وهل في هذا تحريم لما أحل الله؟

كما أن المادة 103 من مشروع القانون ويقابلها المادة 92 من القانون الحالي تنص على أنه «لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية إلا اذا كانت ثابتة بوثقية زواج رسمية»، والمعنى أنه لو أن أحد الزوجين رفع دعوى بطلب إثبات زواجه العرفي من طرف آخر وأحضر بذلك شهوداً وإثباتات فإن هذه الدعوى لا يمكن للمحكمة سماعها بمجرد إنكار الطرف الآخر لوقوع الزواج دون حتى بحث مصداقية المدعي أو سماع الشهود، وهذه المادة تنظيمية بحتة، فهل يمكن القول - بذات الحجج السابقة - أنها تخالف الشرع؟!

والحقيقة أن الأمثلة على ذلك كثيرة، ويبقى ضرورة حصر النقاش في مدى شرعية إيجاب الوصية كوصية من عدمها دون الإيهام أو التوهم أن قانون الوصية الواجبة يخالف نظام الإرث أو أنه يورّث من ليس بوارث.

back to top