لبنان... عشق لا ينتهي

نشر في 05-12-2025
آخر تحديث 04-12-2025 | 17:14
 نادين الفقيه

كم هو صعب أن تجبرك لقمة العيش والسعي إلى حياة كريمة على أن تفارق وطنك وتعيش في الغربة، وكيف إذا كان الوطن هو لبنان، فاللبناني لديه قصة عشق مع لبنان، مع العلم اللبناني المصبوغ بدماء الشهداء والثلج الأبيض والأرزة الشامخة، مع ترابه ومجده وأرضه وإرثه التاريخي والحضاري. إنه عشق وفخر واعتزاز لا ينتهي، ولكن لقمة العيش تعيدنا إلى الواقع المرير. ثم يأتيني زميلي في العمل ليلقي عليّ التحية ثم يسألني: «كيف الحال الآن في لبنان؟ هل هدأ الوضع؟»، فأجد نفسي فجأة وقد علت وجهي سحابة حزن، وقد شعرت بالضيق، قلبي يقطر دماً على لبنان وهو يتمزق كل يوم بسبب الدمار والنزاع والفساد والانهيار. أخذتُ نفساً عميقاً وأشحتُ بوجهي ونظرتُ بعيداً أحدّق في الفراغ وقلت له: «عسى الله يحمي بلدكم ولا تجدون أنفسكم يوماً تتحسّرون عليها كما نتحسّر على لبنان... الوضع سيئ، صلّوا للبنان...». 

وجدتُ نفسي ساعتها قد ذهبتُ بفكري وروحي خارج مكتبي وخارج عملي وخارج البلد العزيز الذي أنا مغتربة فيه، لأجد نفسي في ربوع لبنان، أتذكّر كل شيء جميل فيه ولا أقوى على تذكّر الأشياء التي جعلتني أغادره بالرغم من كثرتها وبشاعتها، فهذا هو العشق الذي يشعر به كل لبناني تجاه بلده ولست أنا وحدي، فلبنان هو الحب الأول والأخير لكل لبناني.

إذا كان هذا هو الواقع فكيف من الممكن لبلد يعشقه أبناؤه بهذا الشكل أن يصبح بهذا الوضع السيئ؟ كيف لم يحافظوا عليه وسمحوا بالفساد أن يتغلل فيه بهذا الشكل؟ كيف سلّموا رقابهم للخارج من أجل حفنة من الأموال؟ كيف قاتلوا بعضهم البعض في حروب أهلية دامية على مرّ السنين؟ كيف امتلأت قلوبهم بالكراهية تجاه بعضهم البعض على من يختلف معهم بالدين والانتماء والأفكار؟ لماذا لم يتعلّم اللبناني أن يتقبّل اللبناني الآخر بصرف النظر عن الاختلافات؟ 

ربما حُب اللبناني لبلده هو السبب في دمار لبنان وخرابه، ربما حبّنا لوطننا لبنان هو اللعنة التي حلّت عليه، فاللبناني أحبّ لبنان لدرجة أنه لم يتمكن من مشاركته مع أحد، حتى مع أخيه اللبناني، نحن أحببنا لبنان بكل أنانية، وكل لبناني أراد لبنان لنفسه فقط، على صورته ويشبهه هو فقط، وبقينا نتنازعه حتى مزّقناه.

ربما لو أحببنا لبنان من دون أنانية لكان الوضع قد اختلف، كنّا كلبنانيين تعلّمنا أن نتشارك وطننا مع أخينا اللبناني حتى ولو كنا على اختلاف، كنّا اتحدّنا من أجل الصالح العام، كنّا بنينا هذا الوطن واستمتعنا به معاً، ولكن عبث... والواقع الآن أن لبنان قد تمزّق إلى خرق عدة، وكل فئة تتمسّك بالخرقة الممزّقة التي في يدها وتطبق عليها بشدة، مع العلم أنها لا تصلح لشيء بمفردها، فيا حبذا لو يجتمع اللبناني مع أخيه ويجمعون معاً هذه الخرق الممزقة لتصبح ثوباً جميلاً متكاملاً يتمتعون به ويتمتّع به سائر من يراه.

ولكني لا أرى أملاً يلوح في الأفق، هذا هو اللبناني الأناني، هو لعنة لبنان، نحن اللبنانيين لا نستحق لبنان.

وسأقولها ختاماً وباللهجة اللبنانية: «مصيبة لبنان، أنه كله لبنانييّه...!».

تصبحون على وطن.

back to top