تقرير اقتصادي: الملف الاقتصادي... الأقل حضوراً في قمم مجلس التعاون الخليجي

• المنظمات الوحدوية في العالم تحولت إلى الاقتصاد وبات محرّكها الأول
• مشاريع التكامل الاقتصادي الخليجي لا تتعارض مع المنافسة بين دول الإقليم
• مهم أن تتولى الكفاءات الخليجية لا شركات الاستشارات الأجنبية صياغة مستقبل المنطقة وإدارته

نشر في 04-12-2025
آخر تحديث 03-12-2025 | 20:48
محمد البغلي
محمد البغلي

على الرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي تعتبر من الأكثر ثراء في العالم في الثروات الطبيعية والمالية، فإن هذا المجلس، الذي عقد قمّته في البحرين أمس الأربعاء، ربما يعدّ المنظمة الوحدوية الوحيدة في عالم اليوم التي لا يُعتبر الشأن الاقتصادي المحرّك الأول لوجودها.

فدول مجلس التعاون، خصوصاً منها ال 4 الأكثر ثراء، بما لديها من أصول سيادية تتراوح بين 3.2 و3.5 تريليونات دولار، أي ما يوازي ثلث ما تملكه صناديق الثروة السيادية في العالم موزعة بأضخم الاقتصاديات العالمية، كالولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، واحتياطيات ضخمة من الثروة الطاقة الطبيعية، تحديداً من النفط والغاز، بما يعادل 50 بالمئة من إجمالي ثروات العالم في الطاقة التقليدية، لم يسجل تاريخ مجلس التعاون في مسيرته، على مدى 44 عاماً، أي إنجاز اقتصادي ينعكس على تكامل دوله ومنظومته مستقبلاً.

التحالف مع ترامب لا يلغي واقعية تقلباته التي لا تحترم قواعد الدبلوماسية ولا الاقتصاد أو الجغرافيا

ملفات عالقة

فلا تزال ملفات عالقة على هامش كل اجتماع خليجي، كالاتحاد الجمركي الخليجي (لم يعلن قيامه بشكل كامل منذ إطلاقه عام 2003)، أوالمجلس النقدي الخليحي (لا تشارك فيه كل دول مجلس التعاون)، أو السوق الخليجية المشتركة (لم تستكمل إجراءاتها منذ عام 2012)، أو العملة الخليجية الموحدة (مجمدة منذ 15 عاماً)، وغيرها من قضايا التكامل الاقتصادي، مثل عمليات التجارة البينية، أو تسهيل وتوحيد قواعد الإنتاج والتصدير والاستيراد، أو تكامل أسواق المال تذكر دون تفعيل أو تقدّم حقيقي، بينما، في المقابل، تمكنت تجمعات إقليمية ووحدوية عديدة في عالم اليوم أن تؤسس على قواعد التعاون والتنمية الاقتصادية أو تتحول إلى تجمّعات اقتصادية بناء على واقع متطلبات العالم اليوم. 

إذ ثمّة تجمعات إقليمية، مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا «آسيان» أو الاتحاد الأوروبي أو تجمّع غير إقليمي، مثل مجموعة «بريكس»، الذي يضم دولاً من عدة قارات «البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا وإيران ومصر وإثيوبيا والإمارات وإندونيسيا»، كلها تستهدف التعاون والنمو في المجال الاقتصادي، فضلاً عن ملتقيات الدول الأكبر في حجم الاقتصاد العالمي، كمجموعتي ال 20 وال 7، وكل هذه المنظمات والملتقيات تضع ملفات الاقتصاد أولَ أو ضمن أهم أولوياتها.

دول الخليج بحاجة إلى إعادة ترتيب الرؤى والمشاريع والأولويات لتكون أكثر واقعية وأقل تكلفة وأطول استدامة

تكامل... أم منافسة؟

وربما يتساءل البعض عن جدوى مشاريع التكامل الاقتصادي الخليجي، في ظل تركيز معظم دول مجلس التعاون على مشاريعها الخاصة، بل وتنامي المنافسة الاقليمية فيما بينها؟

وفي الحقيقة، إن المنافسة بين دول وأخرى أو بقية دول المنظومة الخليجية لا تمنع مشاريع التكامل الاقتصادي، بل يفترض أنها تصبّ في مصلحة كل دولة على حدة، فوجود الاتحاد الأوروبي وتنامي دوره الاقتصادي لم يحدّ من نمو اقتصاديات دول أوروبية، مثل ألمانيا أو فرنسا أو الدنمارك أو هولندا، كذلك الأمر نفسه بالنسبة لدول منظمات كالآسيان وبريكس وغيرها، بالتالي فإن التجارب الوحدوية لا تمنع أو تكبح النمو الاقتصادي المحلي، فضلاً عن أن التحديات الكبيرة في الاقتصاد العالمي كحرب الرسوم الجمركية المؤثرة على أسعار النفط العالمية أو التجارة الدولية وأثرها على دول مجلس التعاون تتطلب تعاوناً وتكاملاً اقتصادياً بسياسات موحدة، مع تأكيد أن معظم معضلات الاقتصاد الخليجي، كالاعتماد على إيرادات النفط أو اختلالات سوق العمل والتركيبة السكانية أو التوجه المتصاعد نحو أسواق الدَّين الدولية، هي معضلات متشابهة، وإن تفاوتت من دولة إلى أخرى.

تشابك المصالح الاقتصادية يُبقي أي خلاف محتمل بين دول الخليج في إطاره الطبيعي دون تأزُّم العلاقات

ترامب وتقلّباته

وحتى مع اعتبار العديد في دول مجلس التعاون أن الولايات المتحدة حليف استراتيجي قوي لدولنا الخليجية، فإن هذه الفرضية تبدو أقل تماسكاً في عهد الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، الذي لم يوفر من حروبه ومصادماته ومعاركه، خصوصاً الجمركية، ليس فقط خصمه الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بل جعلها تشمل جارتَي الولايات المتحدة، أي المكسيك وكندا، وأحد أهم حلفائه، أي الاتحاد الأوروبي أو الهند، وصولاً إلى مطالبات خارج سياقات المنطق والدبلوماسية، كضمّ كندا إلى الولايات المتحدة، ومعها جزيرة غرينلاند الثلجية الضخمة التابعة للدنمارك، والاستيلاء على قناة بنما، فضلاً عن تهجير سكان غزة في فلسطين المحتلة، وتحويلها إلى منطقة للاستثمار العقاري، أو حسب وصف ترامب «ريفييرا الشرق الأوسط»، فضلاً عن قدرة الأخير على تحويل أوكرانيا من حليف أميركا في عهد سلفه جو بايدن إلى دولة يرفض التعامل معها قبل أن تخضع لشروطه في الاستثمار أو الاستيلاء على ثرواتها من المعادن النادرة.

بالتالي، فإن الطمأنينة للتحالف مع ترامب، وهو رئيس أكبر دولة في العالم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، لا تلغي واقعية تقلباته التي لا تحترم قواعد الدبلوماسية أو سيادة الدول أو ثرواتها، ولا المصالح الاقتصادية والتجارية المتبادلة ولا حتى للجغرافيا.

بناء الخليج

لذلك، لا بُد أن يتقدّم الملف الاقتصادي في منظومة دول مجلس التعاون لتكون المنطقة جزءاً من مصالح العالم بكل قواه الاقتصادية على مختلف قطاعات الطاقة أو التجارة أو الخدمات اللوجستية أو غيرها، وهو ما يتطلب إعادة ترتيب الرؤى والمشاريع والأولويات لتكون أكثر واقعية وأقل تكلفة وأطول استدامة، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية أن تتولى الكفاءات الوطنية من أبناء دول المنظومة الخليجية، لا شركات الاستشارات الأجنبية، رسم وإدارة وصياغة، بل وحتى نقدها، وترشيد سياسات التنمية والتكامل للاقتصاد الخليجي، فعملية وضع الملف الاقتصادي في مقدمة أولويات مجلس التعاون الخليجي بقدر ما هي مهمة، فهي أيضاً تتطلب تضافر الجهود من كل الدول والمجتمعات الخليجية.

وحتى مع وجود تباينات في المواقف أو حتى خلافات بين دول الإقليم، فإن تنامي المصالح الاقتصادية وتشابكها يمكن أن تكون ضامناً أو مساهماً في حصر الخلافات ضمن إطارها السليم، بحيث لا يؤزّم أي خلاف مهما كانت حساسيته العلاقات بين الدول الأعضاء، بالتالي تكون منافع الاقتصاد على علاقة دول الخليج مع العالم، وأيضاً على علاقات دوله البينية.

 

back to top