البديوي: الأحداث الخطيرة في المنطقة تعكس أهمية القمة
• تنسيق بين دول مجلس التعاون لمجابهة المخططات التي تستهدف الأمن الخليجي
• دعم سورية ولبنان واستمرار المفاوضات لمعالجة ملف إيران النووي بوصفه ضرورة بالغة لأمن الخليج
أكد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، جاسم البديوي، أن القمة الخليجية في دورتها ال46، المقررة اليوم في البحرين، تنعقد في ظل أحداث خطيرة ومتسارعة تشهدها منطقة الشرق الأوسط، ما يعكس أهميتها في هذه المرحلة الحرجة، كما تأتي استمراراً لمسيرة التعاون التي أرساها قادة دول مجلس التعاون المؤسسون.
وقال البديوي، في لقاء مع «كونا» عشية القمة، إن مجلس التعاون أصبح من أنجح نماذج التعاون الإقليمي القائمة في المنطقة، التي يحتذى بها في التعاون والتكامل، مشيراً إلى الخطى المستمرة التي تسير بها دول المجلس نحو التطور والنماء، بفضل الرؤى الثاقبة وحكمة قادة دول المجلس ومواقفها السياسية الصلبة والحكيمة في الأزمات.
ورداً على سؤال عن الموضوعات السياسية المتوقع مناقشتها في القمة، أفاد البديوي بأن البحث سيتناول عدة ملفات، على رأسها الوضع السياسي والأمني، وتداعيات عدوان الاحتلال الإسرائيلي على دولة قطر، وتطورات الملف النووي الإيراني، وحرية الملاحة والأمن البحري في منطقة الخليج والبحر الأحمر، والقضايا الإقليمية والدولية.
القضية الفلسطينية
وأشار إلى أن من أهم الملفات أمام القمة أيضاً القضية الفلسطينية، وتطورات الأوضاع في قطاع غزة، والجهود الإقليمية والدولية للتوصل إلى حل شامل للقضية الفلسطينية، بما يكفل وقف الانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين، ويحفظ الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وإقامة دولته المستقلة وفق مبادرة السلام العربية ومرجعيات الشرعية الدولية، وتنفيذ حل الدولتين.
سورية ولبنان
وعن كيفية مساهمة مجلس التعاون في معالجة الأوضاع في لبنان وسورية، أوضح البديوي أنه منذ ديسمبر العام الماضي، وفي ضوء التطورات في سورية وما تعرض له لبنان من اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي، وانطلاقاً من المواقف الخليجية الثابتة والحرص على ضمان سيادة كلا البلدين ووحدة أراضيهما واستقلالهما السياسي، قام مجلس التعاون بعدد من الإجراءات والزيارات إلى البلدين لنقل رسائل تضامن المجلس والوقوف على الاحتياجات المطلوبة في المرحلة التي يمر بها البلدان.
وأشار إلى المواقف الثابتة لمجلس التعاون تجاه سورية، التي تنطلق من أهمية احترام سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها، ورفض التدخلات الأجنبية في شؤونها الداخلية، مؤكداً أن أمن سورية واستقرارها ركيزة أساسية من ركائز استقرار أمن المنطقة، وعزم مجلس التعاون على تقديم الدعم لسورية سياسياً واقتصادياً وتنموياً وإنسانياً.
وعن الشأن اللبناني، جدد التأكيد على مواقف مجلس التعاون الخليجي الثابتة بشأن دعم سيادة لبنان وأمنه واستقراره ووحدة أراضيه، وأهمية تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية هيكلية شاملة، لضمان تجاوز لبنان لأزماته، وعدم تحوله إلى نقطة انطلاق للإرهاب وتهريب المخدرات أو الأنشطة التي تهدد أمن واستقرار المنطقة، مشيداً بالدور الذي يقوم به الجيش اللبناني وقوات الأمن الداخلي في حفظ أمن لبنان.
الملف النووي الإيراني
ووصف البديوي ملف إيران النووي بأنه من أهم الملفات بالنسبة لدول مجلس التعاون، مشدداً على أن معالجة هذا الملف مهمة جداً لأمن منطقة الخليج.
وأشار الى أن المجلس يؤكد أهمية استمرار المفاوضات البناءة للتوصل إلى حل شامل، يشمل كل القضايا والشواغل الأمنية لدول المجلس، مع ضرورة مشاركة هذه الدول في الاجتماعات الإقليمية والدولية المتعلقة بالملف النووي، والتعاون البناء بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما يعزز الثقة ويحقق الاستقرار الإقليمي والدولي.
تعزيز التنمية والأمن الخليجي المشترك
وأكد الامين العام لمجلس التعاون أن دول المجلس تتمتع بتعاون وتنسيق أمني رفيع المستوى في مكافحة الإرهاب وتمويله، ومجابهة المخططات التي تستهدف الأمن الخليجي والإقليمي، لافتاً الى أن التعاون الأمني بين الدول الأعضاء يحظى بأهمية بالغة لدى صناع القرار.
وشدد على الدور الحيوي لكل من الولايات المتحدة ومجموعة (5+1) الاستراتيجية - الأمنية لمكافحة غسل الأموال والإرهاب.
وبسؤاله عن استراتيجية وزراء الداخلية في دول المجلس لمكافحة جرائم غسل الأموال (2030-2026)، أوضح البديوي أن الاستراتيجية تستند إلى خمسة محاور رئيسية: التشريعات والسياسات الأمنية، والتحريات والعمليات الأمنية المشتركة، والتكنولوجيا والتحليل الأمني، والتعاون والتنسيق الأمني الدولي، والتدريب وبناء القدرات.
وأوضح أن التعاون الأمني يظهر أيضاً من خلال اعتماد الاستراتيجية الأمنية لمكافحة التطرف المصحوب بالإرهاب (2010)، والاتفاقية الأمنية بين دول المجلس الموقعة في 28 نوفمبر 2012 بالرياض، مؤكداً دعم اللجنة للتعاون العربي والدولي في مكافحة الإرهاب وغسل الأموال، وسبل مواجهة تمويل الإرهاب، وتعزيز الجهود الدولية للحد من أعمال العنف والتطرف.
وجدد حرص دول مجلس التعاون على بذل مساعيها المشتركة لتحقيق النماء والاستقرار والأمن، مبيناً أن المجلس عمل على تنمية علاقاته الودية مع مختلف الدول الشقيقة والصديقة والمجموعات الدولية من خلال عقد قمم مشتركة، أبرزها القمة الأولى بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي (2024)، والقمة المشتركة بين المجلس والولايات المتحدة (2025)، إضافة إلى القمة المشتركة بين مجلس التعاون ودول رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان)، والقمة الثلاثية المشتركة بين مجلس التعاون ورابطة جنوب شرق آسيا (آسيان) والصين (2025)، مبيناً أن انعقاد هذه القمم يأتي تعزيزاً لأطر التعاون الخليجي مع هذه الدول والمجموعات، والانتقال بالعلاقات معها إلى آفاق أرحب من الشراكة والعمل المشترك.
ولفت إلى أن القمة الخليجية في البحرين ستبحث أيضاً نتائج وتقارير سير العمل لما تم الاتفاق عليه من خطط عمل ومجالات التعاون المشترك، إلى جانب التحديات والأزمات والمتغيرات الاقتصادية والتجارية العالمية.
قمة البحرين... ملفات مزدحمة تلامس أمن «الخليجي» ومصالحه
67 قمة عكست الوزن الإقليمي والدولي لمجلس التعاون وعمق علاقات دوله
في عالمنا العربي الذي لطالما عانى تشرذُم الكلمة وتباعُد الخطى، يقف مجلس التعاون لدول الخليج العربية شامخاً كواحة استقرار وسط صحراء من الاضطرابات، أو كسفينة للنجاة وسط بحر هائج من الأطماع المضطرمة. إنه ليس مجرد اتفاقية موقّعة أو بروتوكول دبلوماسي، بل هو شهادة حيّة على أن الإرادة الصادقة قادرة على صنع المعجزات، وأن الأحلام الكبيرة لا تموت ما دام هناك من يؤمن بها ويعمل على تحقيقها.
منذ أربعة عقود ونيّف، اجتمعت ست دول لتُنضِج حدثاً يَظلمه مَن يصفه بـ «الاتفاق»؛ فقد كان عهداً لصنع أمل مشترك، ولتثبيت صرحٍ من التعاون يقف أمام عواصف الأيام. في ذلك اليوم، التقت إرادة ستة قادة في أبوظبي، جمعتهم رؤية عميقة لمستقبل مشترك ومصير واحد، وإيمان راسخ بأن هذه البقعة من العالم تستحق أن تصنع تاريخاً مختلفاً. كانوا يعلمون أن الدم الواحد والدين المشترك واللغة العربية والتراث الممتد عبر القرون، تصرخ كلها بضرورة الوحدة المتمثلة في «مجلس التعاون الخليجي».
حلم كويتي
الفكرة لم تولد من فراغ... فقد كان الشيخ جابر الأحمد، أمير الكويت الراحل، طيب الله ثراه، رجلاً يمتلك بصيرة نافذة وقلباً ينبض بحب الخليج كله. ففي عام 1976م، وخلال زيارته للإمارات ولقائه رئيس دولة الإمارات الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، طرح الفكرة للمرة الأولى. وظلت الفكرة تنضج في عقول القادة، حتى أعاد الشيخ جابر طرحها في القمة العربية الثالثة عشرة بعمّان عام 1980م.
وفي 25 مايو 1981م، اجتمع ستة قادة في أبو ظبي: الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود من السعودية، والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من الإمارات الذي ترأس القمة الأولى، والشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة من البحرين، والسلطان قابوس بن سعيد من عُمان، والشيخ خليفة بن حمد آل ثاني من قطر، والشيخ جابر الأحمد الصباح من الكويت. في ذلك اليوم التاريخي، وُقّع الميثاق التأسيسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.
أسس راسخة
أُسس «مجلس التعاون» على ميثاق قوي يجمع هذه الدول بعلاقات خاصة وسمات مشتركة وعقيدة إسلامية واحدة ومصير مشترك، بالتنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع المجالات، وصولاً إلى تحقيق وحدتها. وفي أول قمة لهذا المجلس، كانت للشيخ جابر -رحمه الله- كلمةٌ ظلت راسخة إلى يومنا هذا في عقول أبناء الخليج وقادتهم، إذ صرح سموه قائلاً: «إن هذا المجلس ليس تكتلاً أو تحالفاً ضد أحد، وإن الغرض من إقامته هو تنظيم عملي شامل لتطوير وتنسيق التعاون القائم بين الدول الخليجية التي تربط بعضها ببعض علاقاتٌ خاصة، نابعة من عقيدتنا الإسلامية السمحاء، وتشابه أنظمتها، ووحدة تراثها، وتماثُل تكوينها السياسي والاجتماعي والسكاني؛ للوصول إلى أفضل صيغة تخدم مصالح دول الخليج والأمة العربية».
كما أعرب سموه -رحمه الله- عن إيمانه العميق بأن قيام المجلس كفيل بأن يضع قوة الدول الأعضاء سياسياً واقتصادياً على مسار العمل الجدي، لتوطيد الاستقرار في المنطقة وإبعاد أخطار التدخل الخارجي عنها، وتكريس هذه القوة لخدمة قضايا الخليج القومية. وهذه الرؤية تجسدت في البيان الختامي للقمة الأولى عام 1981م، إذ أكد قادة المجلس أن أمن المنطقة واستقرارها إنما هو مسؤولية شعوبها ودولها، وأن هذا المجلس يعبر عن إرادة هذه الدول وحقها في الدفاع عن أمنها وصيانة استقلالها.
مسيرة حافلة
منذ التأسيس، شهدت مسيرة المجلس 67 قمة، تنوعت بين 45 قمة اعتيادية و18 قمة تشاورية و4 قمم استثنائية، إضافة إلى قمم مشتركة مع قوى عالمية كبرى. وتناوبت العواصم الست على استضافة القمم بروح أخوية حقيقية: الرياض استضافت 12 قمة، والكويت 8 قمم آخرها في ديسمبر 2024، والمنامة 7 قمم، وتستعد لاستضافة القمة 46، والدوحة 7 قمم، وأبوظبي 6 قمم، ومسقط 5 قمم.
الكويت... قمم في قلب العواصف
ومنذ انطلقت مسيرة القمة الخليجية توقف قطارها في محطة الكويت ثماني مرات كان أولها في عام 1984م، وكانت هي الدورة الخامسة التي يعقدها مجلس التعاون، ثم دارت الأيام دورتها محملةً بالأحداث، لتحط القمة الخليجية رحالها في الكويت للمرة الثانية، بعد بركان ثار في الخليج؛ إذ صحَتْ دولُه لتجد الكويت وقد احتُلت احتلالاً آثماً، سرعان ما تحررت منه، ولتحتضن الكويت بعد التحرير مباشرة القمة الثانية في تاريخها (الثانية عشرة في تاريخ المجلس)، وقد تناولت التطورات الإقليمية في المنطقة وطالبت العراق بالإسراع في تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بعدوانه، وتعزيز الأمن والاستقرار في الدول الخليجية.
شراكات عالمية
نجح المجلس في بناء شراكات استراتيجية مع أهم القوى الدولية، فعُقدت قمة خليجية - أميركية، وأخرى مع بريطانيا، وثالثة مع الصين، فضلاً عن أول قمة خليجية مع دول آسيا الوسطى، وأول قمة مع رابطة دول الآسيان، وأول قمة خليجية - أوروبية. هذه القمم تعكس الوزن الدولي الذي بات يتمتع به المجلس على الساحة العالمية.
قمة المنامة
اليوم، تفتح البحرين - بتاريخها العريق وموقعها الاستراتيجي- ذراعيها لأخواتها من دول الخليج، لتستضيف المنامة القمة السادسة والأربعين، مؤكدة أن المسيرة مستمرة وأن العزيمة لا تلين، في وقت يشهد العالم تحولات كبرى وتحديات غير مسبوقة وأزمات إقليمية متشابكة، أبرزها تداعيات الحرب في غزة على المنطقة ككل، واستمرار التوتر في البحر الأحمر، والملف الإيراني، إلى جانب ضغوط اقتصادية عالمية وتحديات التحول في أسواق الطاقة، وكل هذه المعطيات تضع القمة أمام جدول أعمال مزدحم بالملفات الثقيلة التي تمس جوهر الأمن الخليجي ومصالحه الاستراتيجية.
إن مجلس التعاون الخليجي ليس مجرد منظمة إقليمية، بل هو شاهد على أن الإرادة الصادقة قادرة على تحويل المستحيل إلى واقع. إنه إرث القادة المؤسسين الذين آمنوا بالوحدة، ومسؤولية الأجيال الحالية والقادمة للحفاظ على هذا الصرح الشامخ وتطويره ليواكب تحديات العصر.