مجلس التعاون الخليجي... من قوة الثروة إلى صناعة القرار

نشر في 01-12-2025
آخر تحديث 30-11-2025 | 19:57
 يعقوب عادل البشير

 

يعيش مجلس التعاون لدول الخليج العربية مرحلة مفصلية في مسيرته السياسية والاقتصادية، تتقاطع فيها التحولات الإقليمية مع احتدام التنافس الدولي على النفوذ ومصادر الطاقة والاستثمارات الاستراتيجية.

وتأتي القمة الخليجية المرتقبة في البحرين بعد غدٍ في توقيت يتجاوز الإطار البروتوكولي، ليطرح تساؤلات أعمق حول موقع المجلس في النظام الدولي الجديد، لا بوصفه تجمعاً تقليدياً، بل كتكتل يملك اليوم مقومات التحول إلى قوة اقتصادية وسياسية فاعلة.

الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم البديوي قدّم في مناسبات رسمية مؤشرات دقيقة تعكس هذا التحول، إذ بلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس عام 2024 نحو 2.3 تريليون دولار، لتحتل المرتبة التاسعة عالمياً من حيث الناتج المحلي بالأسعار الجارية، وتساهم بما يقارب 63 في المئة من الناتج العربي، في حين تُقدّر أصول صناديق الثروة السيادية الخليجية بحوالي 4.8 تريليونات دولار، بما يمثل أكثر من 32 في المئة من أصول أكبر 100 صندوق ثروة سيادي في العالم، وهو ما يعكس حجم القوة المالية الخليجية في الأسواق الدولية.

ولا يقتصر هذا الثقل على المال والاستثمار، بل يمتد إلى قطاع الطاقة، إذ تتصدر دول المجلس عالمياً في إنتاج النفط الخام بأكثر من 16 مليون برميل يومياً، وتمتلك احتياطياً نفطياً يزيد على 510 مليارات برميل، إلى جانب احتياطي من الغاز الطبيعي يتجاوز 44 تريليون متر مكعب، مما يجعلها في المرتبة الثانية عالمياً من حيث الاحتياطي، والثالثة من حيث الإنتاج بأكثر من 440 مليار متر مكعب سنوياً.

وفي موازاة ذلك، بلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي في دول المجلس نحو 36.8 ألف دولار سنوياً، أي أكثر من ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي، في مؤشر واضح على تحسّن مستويات المعيشة وجودة الحياة. كما تمثل أسواق المال الخليجية أكثر من 4.3 في المئة من القيمة السوقية العالمية، محتلة المرتبة السابعة عالمياً من حيث حجم القيمة السوقية.

هذه المؤشرات لا تعكس مجرد قوة اقتصادية رقمية، بل تعبّر عن تحوّل نوعي في موقع الخليج داخل الاقتصاد العالمي، إذ لم تعد دوله محصورة في دور المصدّر التقليدي للطاقة، بل باتت لاعباً فاعلاً في الاستثمار الدولي، وصناعة القرار الاقتصادي، وتمويل المشاريع العابرة للحدود.

سياسياً، تتبنى دول الخليج نهجاً أكثر وضوحاً وفاعلية في مواقفها الإقليمية والدولية، مدعومة بشبكة علاقات متوازنة مع القوى الكبرى، وأدوار متصاعدة في الوساطة وحل النزاعات. كما تعكس دعوة مجموعة «بريكس» لانضمام المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات اعترافاً دولياً متزايداً بمكانة الخليج كمجموعة لا يمكن تجاوزها في معادلات السياسة والاقتصاد العالميين.

وبموازاة القوة الصلبة، باتت دول مجلس التعاون توظف أدوات القوة الناعمة بشكل متزايد، عبر الوساطات السياسية، والدبلوماسية الإنسانية، واستضافة المؤتمرات والقمم الدولية، والفعاليات الرياضية الكبرى، إضافة إلى دعم مشاريع التنمية في مناطق عدة من العالم. وقد أسهم هذا التوجّه في ترسيخ صورة الخليج كفاعل مسؤول وشريك موثوق في دعم الاستقرار والتنمية على المستوى الدولي.

ولم يعد مجلس التعاون لاعباً على الهامش، بل بات اليوم جزءاً من معادلة صنع القرار الدولي، والتحدي الحقيقي أمامه الآن هو الانتقال من قوة تقوم على الثروة إلى قوة تقوم على صناعة القرار.

 

 

back to top