صيانة أم إصلاح؟
أعلنت وزارة الأشغال، منذ فترة، توقيع وتنفيذ عقود «صيانة» لكثير من شوارع الكويت. والمُسمَّى المُستخدم «صيانة»، والذي تُعنوِن به «الأشغال» عقودها لإصلاح الطُّرق، هي كلمة تأتي من الفعل يصون، وباللغة الإنكليزية «Maintenance»، والفعل «Maintain»، وتُعني «المحافظة على».
والواقع أن عقود وزارة الأشغال لا تشتمل أعمال صيانة، بل هي عقود تصليح أو «Repairing».
منذ سنوات، يعاني المُواطن حالة واحدة تتكرَّر بلا كلل، تتمثل في: تشققات في الطُّرق، وحُفر تتوسع، وأسفلت يتآكل، ومشهد يومي من الازدحام والحوادث وتلف المركبات، ثم نسمع إعلاناً رسمياً: «تم توقيع عقود صيانة».
والحقيقة أن ما يُسمَّى «صيانة» ليس صيانة على الإطلاق، بل عمليات إصلاح متأخرة تأتي بعد أن يتدهور الشارع تماماً.
هكذا ندخل في حلقة ثابتة: انعدام صيانة، ومعاناة، ثم إصلاح جذري بعد سنوات. بعدها يعود كل شيءٍ من جديد.
الصيانة الدائمة ليست ترفاً، ولا فكرة نظرية. العالم كُله يعرف أنها أوفر مالياً، وذات أثرٍ مباشر على السلامة وجودة الحياة. وكل مبنى أو مركبة أو آلة تُترك بلا صيانة تنتهي بتلفٍ كبير وتكاليف أكبر. فما بالنا بشوارع دولة كاملة!
ورغم وضوح الفكرة، فإن واقع وزارة الأشغال اليوم يعتمد على أوامر عمل متفرقة: حفرة تُسد هنا، وخط يُصبغ هناك، بلا معايير واضحة، ولا مُدد زمنية محدَّدة، ولا متابعة فعلية. صبغ المطبات وخطوط المرور- الذي لا يصمد أكثر من ثلاثة أشهر- يُترك لستة أشهر، وربما سنة. وهكذا تتحوَّل الصيانة إلى «ردة فعل»، وليس عملاً احترافياً مستمراً.
الحل: اتفاقية مستوى الخدمة (SLA): ما تحتاجه الكويت هو تغيير جذري في مفهوم الصيانة، وليس تغيير أسماء العقود. الحل يكمن في نموذج عالمي معروف اسمه باتفاقية مستوى الخدمة (Service Level Agreement)، وهو عقد يعتمد على نتيجة الخدمة، وليس على العمالة أو كمية الأسفلت.
هذا النوع من العقود يقوم على أُسس واضحة، هي:
أولاً- تحديد الخدمات بدقة: جداول يومية وأسبوعية وشهرية تشمل كل التفاصيل: معالجة الحُفر، وإزالة تجمُّعات المياه، وصيانة الأرصفة، وصبغ الخطوط والمطبات، وإصلاح فتحات الصرف، ورفع العوائق، وصيانة العلامات المرورية، مع تحديد مُدد تنفيذ بالساعات، ومعايير جودة دقيقة.
ثانياً- متابعة إلكترونية: نظام رقمي يسجل كل مهمة من لحظة التبليغ حتى الإنجاز، مع تتبُّع مواقع فرق العمل، وتوثيق الجودة ميدانياً.
ثالثاً- كوادر مؤهلة وإدارة محترفة: اختيار موظفين بشهادات فنية وخبرة واضحة، مع وجود «مدير أداء خدمة»، كعنصرٍ حاسم في نجاح العقد، ومسؤول عن جودة التنفيذ وحل المشكلات والتطوير المستمر.
رابعاً- شراكة حقيقية بين الوزارة والمقاول: فريق المقاول يُصبح جزءاً من بيئة العمل داخل الوزارة، مما يرفع كفاءة التواصل وسرعة التنفيذ.
خامساً- قياس رضا المستفيدين: استبيانات، ومتابعة ردود فعل المواطنين، وتحليل سنوي للفجوة بين التوقعات والواقع.
سادساً- شروط جزائية ذكية: غرامات واضحة تتدرج وفق التأخير وتكرار المخالفات، مع إلزام المقاول بإصلاح أي خللٍ فوراً، وعلى حسابه.
الخلاصة:
مشكلتنا ليست في الأسفلت، بل في الأسلوب، ولن تتغيَّر جودة الطُّرق إلا بتغيير طريقة العمل.
اعتماد عقود SLA سينقل صيانة الشوارع من «ترقيع» موسمي إلى منظومة احترافية مستمرة تحفظ المال العام، وترفع مستوى السلامة، وتُعيد للمواطن حقه في طُرق آمنة لا تنهار كل بضع سنوات.