رياح وأوتاد: ملاحظات أولية على مسودة قانون الأحوال الشخصية

نشر في 30-11-2025
آخر تحديث 29-11-2025 | 19:45
 أحمد يعقوب باقر

اطلعت على آراء المؤيدين والمعترضين على مسودة قانون الأحوال الشخصية، ودون الدخول في مناقشة صلب المواد أود فقط ذكر بعض الملاحظات العامة حول المسودة:

أولاً: لم يشارك في إعداد المسودة مستشارو الأحوال الشخصية من محكمة الاستئناف، وهم القدماء أصحاب الخبرة الكبيرة في مجال الأحوال الشخصية.

ثانياً: لم تشارك هيئة الفتوى بوزارة الأوقاف، ولم تُعرَض عليها التعديلات قبل نشرها رغم أنها الجهة المختصة.

ثالثاً: قيل عن القانون الحالي إنه سيئ ويخالف الشريعة رغم أنه أُجيز من هيئة الفتوى وأساتذة كبار في الحقوق والشريعة المشهود لهم بالعلم، كما أقره مجلس الأمة، ومن المعروف أن بعض مواد القانون قد يُختلف فيها، لأن الفقه الشرعي مليء بالكثير من الاجتهادات، واختيار المشرع أحد الآراء في بعض المواد لا يعطي الحق لأي أحد أن يصف القانون بهذه الصفات.

رابعاً: اعتقاد بعض المؤيدين أن القانون الحالي سبب كثرة الطلاق هو اعتقاد خاطئ، ففي دراسة ميدانية أجراها مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية التابع لجامعة الكويت (2022) تبين أن أسباب الطلاق هي بالترتيب: «وسائل التواصل، ثم ضعف الوازع الديني، ثم تدخل الأهل، ثم تغيّر القيم الاجتماعية، ثم إهمال مسؤولية الأسرة، ثم المشكلات المالية، ثم الخيانة الزوجية، ثم مكان إقامة الأسرة، ثم امتناع الزوج عن الإنفاق، ثم العنف بين الزوجين، ثم قانون الأحوال الشخصية، ثم المشكلات الجنسية»، فالقانون يأتي في آخر أسباب الطلاق وليس أولها، ويسبقه الكثير من الأسباب التي كانت الأوْلى بالمراعاة.

خامساً: يصرح كثير من المطلقين بأن نفقة الزوجة وأبنائها الباهظة هي سبب الطلاق، لأنها لم تعد تحتاج للرجل، وهذا اعتقاد خاطئ لأن كثيراً من المطلقات يشتكين أيضاً ضعف النفقة وعدم كفايتها للحاضنة وأبنائها، علماً بأن النفقة تُحسَب حالياً وفقاً ليسر الزوج أو عسره، ويعاد النظر فيها سنوياً، كما أن لفظ الطلاق تتحاشاه كل النساء ما أمكن.

سادساً: أيّد بعض المطلقين تغيير حضانة البنت وعودتها إلى الأب في سن الثانية عشرة لأن ذلك سيعفيه من النفقة، بينما أخذ القانون الحالي مصلحة المحضونة في المقام الأول وليس العامل المالي، فهل مصلحة البنت في هذه السن مع الأم أم مع الأب؟

سابعاً: القول بالإجماع لإلغاء الوصية الواجبة قول خاطئ، وقد أفتى كثير من العلماء المعاصرين بوجوبها أو بصلاحية ولي الأمر لإقرارها مثل د. عجيل النشمي ود. محمد الطبطبائي ود. عمر الشهابي وغيرهم، واستشهدوا بأقوال مؤيّدة من القرون الأولى، وكلهم من كبار أساتذة كلية الشريعة، كما يعمل بها الآن الكثير من الدول العربية والإسلامية، وأيضاً سيؤدي إلغاؤها إلى قطيعة الرحم وانتشار الفقر ومشكلات أخرى حاربتها الشريعة الإسلامية.

ويرى الرافضون للوصية الواجبة أنها فعلاً واجبة أو مندوبة والمخاطب بها هو الجد، فهل إذا أخذ ولي الأمر بما هو واجب أو مندوب وعمّمه لمصلحة عامة يكون قد خالف الشريعة؟

وأما من يقول بمخالفتها للمذاهب المشهورة، فنقول لهم: يوجد مَن أخذ بها من القرون الأولى، وخالف الإمام ابن تيمية المذاهب الأربعة في فتوى الطلاق فأخذت بفتواه كل الدول الإسلامية اليوم.

أخيراً: هذه ملاحظات عامة حول مسودة قانون الأحوال الشخصية أرجو أن ينتبه لها القائمون على المشروع، ويقوموا بعرض المسودة على لجنة عليا من مستشاري محكمة الأحوال الشخصية وهيئة الفتوى في «الأوقاف» والمتخصصين في شؤون الأسرة والمجتمع... والله الموفق.

back to top