سقطرى... درةٌ ذهبية أهملها اليمنيون!

نشر في 30-11-2025
آخر تحديث 29-11-2025 | 18:17
 محمد علي ثامر

جزيرة سقطرى، لؤلؤة اليمن ونجمته السَّاحرة، وياقوتة البحر العربي والمحيط الهندي، واحدةٌ من أعظم وأندر العجائب الطبيعية، لاحتوائها على كنزٍ بيئيٍ فريد، وتنوُّعٍ بيولوجيٍ استثنائي، كما أنها ذات موقعٍ جغرافي استراتيجي يتحدَّث عن ذاته، لتُعد بكل ذلك جوهرةً لا تُقدَّر بثمن، بل تُعد متحفاً للتطور الحيوي المُتشكِّل عبر ملايين السنين، ومملكةً للنباتات والحيوانات والطيور النادرة، ودرة يمانية تتلألأ جمالاً وسحراً بشواطئها الجميلة، وخلجانها الصافية، وشعابها المُرجانية، وكهوفها ومغاراتها العتيقة... وغيرها من عناصر السِّحر السُّقطري الحصري، مما جعل منظمة يونسكو تصنِّفها عام 2008 ضمن قائمة التُّراث العالمي، وفي ديسمبر 2017 كأحد المواقع البحرية العالمية ذات الأهمية البيولوجية.

أما تاريخياً، فقد اشتهرت بإنتاجها للمواد المستعملة في المعابد القديمة، كالنُّد والبخور والصَّبر والمر واللبان، لتدخله من أوسع أبوابه، فلم تخلُ مصادره من ذكرها، فأفرد الإغريق والرومان صفحات لها في كُتبهم، وأطلقوا عليها لقب «جزيرة السعادة»، و«الأرض المقدَّسة»، و«أرض الإله»، وذكرها شاعرهم هوميروس في كتابه (الإلياذة)، واهتم بها الجغرافيون والمؤرخون، كديودورس الصقلي، وبليني، وديوسقوريدس، وتغنَّى بها الفراعنة في كتاباتهم بأنها «أرض الله الطيبة»، و«أرض بأنخ»، أي الجزيرة السِّحرية، وأسماها الهنود «أرض الهناء»، و«الجزيرة السعيدة». ومن خلال هذه العناصر التي تميَّزت بها جغرافياً وتاريخياً وحضارتها أصبحت مطمعاً للغُزاة والمُحتلين على مدى التاريخ، فتعرَّضت للاحتلال على يد الإسكندر المقدوني قبل الميلاد، ثم الكابتن البرتغالي ألفونسو البوكيرك عام 1507، والإنكليزي هينز عام 1834، وكان للروس وجودٌ عسكري فيها خلال الحرب الباردة، وقد وصفوها بأنها «مفتاح البحار السبعة».

ومن خلال استقراء ماضيها وحاضرها، فإن هذه الجزيرة كانت ولا تزال عُرضةً للإهمال الشديد والنسيان الأكيد، سواءً أثناء الاحتلال البريطاني، واستخدامها كمحطةٍ لتزوِّد سفنه بالفحم، رغم كونها كانت عاصمةً ومقراً لسلاطين الدولة العفرارية، أو حتى بعد تحقيق الاستقلال عام 1969، لتنضم في البداية إلى محافظة الجزر البحرية، وعُيّن الرئيس علي ناصر محمد محافظاً لها، ثم أصبحت في 1971 تابعةً للمحافظة الأولى (عدن). وبعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، أُلحقت إدارياً بمحافظة حضرموت عام 1999، ثم صدر قرار تسمية أرخبيلها عام 2008، لتُصبح في أكتوبر 2013 محافظةً مستقلة، وحظيت خلال العهد الوحدوي بالعديد من المشاريع التنموية، كالمطار، والميناء، والطرقات، والاتصالات وغيرها، لكن لم تنل حقها من الاهتمام الشامل والكامل، والمتمثل بالترويج لها واعتبارها هويةً عالمية، كما حدث مع العديد من شبيهاتها، كجزر المالديف، وموريشيوس، وغالاباغوس، وهاواي، لأجل جذب الباحثين التاريخيين والجغرافيين، والمختصين في المحميات الطبيعية النادرة، وعُشاق المغامرات والسُّياح، بمختلف أنواعهم، من أجل دراستها دراسةً دقيقة، جيولوجياً، وبيولوجياً، وأثنوجرافياً، وإعادة استقراء عُمق التاريخ والحضارة والثقافة اليمنية فيها، ومن ثم الاستفادة من موقعها الاستراتيجي، سواءً في التجارة الدولية، من خلال جعلها مركزاً تجارياً ومالياً عالمياً، أو عبر تحويلها إلى مصيفٍ سياحيٍّ عالمي.

لنصل في الأخير إلى أن سُقطرى أُهملت، وهذا صحيح، لكنها جوهرة نائمة تنتظر إدراك اليمنيين والعالم أجمع لقيمتها، فالدُّرة الذَّهبية لا تفقد بريقها، فقط تحتاج إلى أيدٍ تُلمعها من جديد... فهل سيعرف اليمنيون قيمتها؟! سؤالٌ يبحث عن إجابة!

 * صحافي يمني

back to top