لمحات... من الأدب الكردي

نشر في 30-11-2025
آخر تحديث 29-11-2025 | 18:15
 خليل علي حيدر

نحاول في هذا المقال أن نتحدث قليلاً عن الثقافة الكردية.

تطور الوضع الثقافي خصوصاً اللغوي للكرد وتبلوره، مضطرب كحياتهم السياسية، وإن كان الإجماع على اللغة الأدبية والإعلامية، إن صح التعبير، في تحسن وتقدم. ولكن لا إجماع مثلاً على لغة واحدة «فصحى»، كما هو الحال مع اللغة العربية أو الفارسية أو التركية.

ولا يزال اعتماد الأكراد كبيراً على «لهجات» تبرز بعضها بلا إجماع کردي، ويقول بعض الباحثين إن اللغة الكردية يمكن مقارنتها بلغة «البيشتو» Pashto الأفغانية. وتقول «موسوعة إيرانيكا» المختصة بالثقافة الفارسية إن الشعر الكردي الرفيع والموثق لعب دوراً أقل أهمية بكثير من دور الشعر في ثقافات ومجتمعات الدول المجاورة في المنطقة المحيطة بكردستان كالعرب والفرس.

ولم تستعمل اللغة الكردية المكتوبة لفترة طويلة، واستخدم الأكراد لغات كالفارسية والتركية في أعمالهم الأدبية وفي تناقل الأدبيات الشفهية، ولا تزال معلوماتنا تعاني من ثغرات واسعة في مجال الأدبيات الكردية المكتوبة أو المطبوعة، وقد جرى الاعتماد فترة طويلة على المعلومات التي نشرها الكسندر جابا عام 1860 بالاستناد إلى معلومات مستقاة من محمود أفندى بايزيدي، التي طعن باحث آخر عام 1969 في دقتها (إيرانيكا).

ويذكر البايزيدي أسماء عدة شعراء أوائل مثل علي الحريري، ملايا جزري، فاقي طيران، ملايا-لي باقي، أحمد الخاني، باعتبارهم رواد الشعر في المدرسة «الكورمانجية»، ممن استخدموا اللهجة الكورمانجية الكردية Kormanje كلغة أدبية. ويقال عادة إن مؤسس هذه المدرسة الأدبية كان ملايا الجزري Malla ye Jezri، المعروف باسمه الأدبي الشيخ أحمد نشاني (1570 - 1640) الذي كان بدوره واقعاً تحت التأثير العميق للأدب الفارسي وشعراء الفارسية، وبخاصة حافظ، وبعض قصائده وأشعاره لا تزال متداولة.

 وكان فاقي طيران Faqi Tayran أول الشعراء الأكراد في مجال الغزل استخداماً لبحور «المثنوى» في قصائده، ولا نعرف إلا القليل، تقول «موسوعة إیرانیكا»، عن الشاعر علي الحريري، بعكس أحمد الخاني Kani (1650-1707) المعروف جيداً في الوسط الشعبي والأدبي الكردي بعمله المتداول «مم وزين»، ويقارن عادة بروميو وجولیت، العمل المعروف لشكسبير كقصة حب رومانسية.

والعمل الأدبي «مم وزين» من أبرز الأعمال الأدبية الكردية، موضوعها قصة حب يعارضها الأهل، ربما على نهج أحد أعمال الشاعر الآذري الفارسي نظامي كنجوي. وتسمية هذا العمل، أي «مَمْ وزين»، جاءت على اسمي بطل القصة «مم»، وهو عادة تصغير كردي وفارسي أو اسم تردد لمن اسمه محمد، حيث يُلفظ الاسم في اللغة الكردية «مامند» أو «ممند» وبطلته «زين». (انظر مقال «نماذج من الأدب الكردية» لمظفر بشير، ومقال «ملحمة مَمْ وزين» لعبدالرزاق بيمار، «مجلة المعرفة» السعودية، نوفمبر 2004). وملحمة الحب هذه مترجمة للعربية بقلم د. محمد سعيد رمضان اليوطي بعنوان «مَمُو زين: قصة حب نَبَتَ في الأرض وأينع في السماء«! ويقول باسيل نيكتين في کتابه»الكرد«- الصادر باللغة الفرنسية عن أحمد الخاني إنه شاعر يحق أن يُسمى فردوسي الكرد (المعرفة، ص56). 

ويتحدث عن «مم وزين» المستشرق مينورسكي، فيقول إنها ملحمة قومية في شعر ونثر مسجوع تُغنى في جميع أنحاء كردستان. وكان مم وزين محبين، لكن «مم» لم یكن في مستوى حبيبته من حيث النسب والوضع الاجتماعي. وعلم أمير منطقة «بوتان» وهو أخ الفتاة «زين» بهذا الحب فغضب على «مم» وسجنه، ولكنه خشية من التمرد الشعبي أطلق سراحه ووافق على زواجهما. وكان الأمر منتهياً، حيث مات «مم» في حبه، وعلى أثره ماتت «زين» أيضاً فدفنوها بجانبه، ونبتت ورود كثيرة بين القبرين كرمز «لذلك الحب الذي هو أقوى من الموت».

ومن مراجع الأدب الكردي «تاريخ الأدب الكردي» لعلاء الدين السجادي، الصادر في بغداد عام 1953 باللغة الكردية، ويضيف مظفر بشير أن هذا الكتاب يقع في 364 صفحة، وفيه معلومات مهمة عن 24 شاعراً. وقد كانت إسطنبول مركز المثقفين الأكراد، يطبعون فيها كتبهم وينشرون أدبهم في أرجاء الخلافة، ثم ظهرت مراكز أدبية أخرى، منها بغداد والسليمانية، إذ انطلق منها الأدب الكردي الجديد، وصدرت فيها المجلات والكتب والدواوين.

وتحسن النشر الكردي متأثراً بالآداب الأجنبية، وانتعشت وتجددت مفردات اللغة الكردية، وظهرت تراجم كثيرة باللغة الكردية عن نصوص روسية وإنكليزية وعربية، كما نقلت مؤلفات كردية إلى اللغة العربية. (المعرفة، ص 51).

back to top