يشيب المكان... ويبكي!

نشر في 28-11-2025
آخر تحديث 27-11-2025 | 17:19
 محمد راشد

الورقة الحزينة جرفتها الريح، الدمعة الأصيلة سالت على حائط ذلك المنزل المهجور، الأصوات خفتت، وبقايا الأنفاس تجول وحيدة غريبة يميناً وشمالاً، تنادي بأعلى صوتها، وتطرق النوافذ كطير حيران، بحثاً عن صورة، عن ابتسامة، وعن فنجان قهوة يرسم ذكرياته على الأطلال!

لم تكن أياماً، ولا سنوات، إنما عمر مضى، وأمنيات اندثرت تحت الركام، الصخب أصبح من الماضي، أصوات الأطفال اختفت، والهدوء لم يعد مرعباً فقط، بل مزعجاً أيضاً، الأبواب تتلاطم كأمواج بحر لجي، والصدى يردد بأسى قهقهة الغائبين، شتتهم الزمان، واحتوتهم الحسرات والآلام.

من يقوى على جمع تلك الصور المتناثرة في زوايا المكان، ومن يجرؤ على أن يربت على أكتاف ذلك المبنى الذي يئن وحيداً، حزيناً، دامعاً على من كان يناجيهم، ويسمع نداءاتهم وآهاتهم، ويرد بكل حب واحتضان ومواساة؟!

على قارعة الطريق، آثار خطوات الراحلين تحكي روايات لا يعلمها غيرهم، ولا يشعر بوجعها سوى عباءة مزقتها الهموم، ودلة القهوة التي تمايلت بأسى على أطراف كف أنهكته حرقة دفينة!  

أين الأيادي الحانية؟ أين الدموع الساكبة، والقلوب النقية؟ اتجاهات شتى، مسارات مختلفة ومتباعدة، ونظرات تقلب صفحات شارع لا يملك غير دمعة صامتة، وكلمات تلعثمت في فم الحياة. 

أثر لا يمحو الحنين للحكايات الضائعة، نبرة وجع طويلة، وحزن لا يريد  مغادرة الموقع، كم هي مؤلمة تلك اللحظات، عندما يشيب المكان ويبكي، وحين يكون أقصى ما تسمع هو صدى صوتك فقط.

مساحة ضاقت، أحلام تبعثرت، وصفحة طويت، لكنها تحمل قلب أم يسع الجميع، ودفئاً يغلف من حوله بالحب والوفاء، في البصر هي شمس بادت، وفي البصيرة، بيئة عزيزة كما عهدها من يغوص في أعماق وجدانها، كانت وستبقى شامخة، تكرم من العدم، وتبتسم رغم الألم!

back to top