تلامذة غزة يعودون إلى الدراسة فوق الركام.. بلا كتب ولا دفاتر

• مدرسة «لولوة القطامي» استقبلت 900 تلميذ داخل خيم وغرف متضررة بعد عامين من العدوان
• تعليم عن طريق اللعب لتخفيف التوتر ومعالجة الوضع النفسي للأطفال
• مبادرات محلية ودولية لإعادة الأمل وتوفير مستلزمات ودعم نفسي لأكثر من مئة ألف تلميذ

نشر في 27-11-2025 | 10:45
آخر تحديث 27-11-2025 | 11:00
No Image Caption

تمشي الطفلة ليان حجي فوق ركام مبانٍ مدمّرة إلى مدرستها المستحدثة. لا تحمل حقيبة ولا كتبا ولا ترتدي زيّا مدرسيا... لكنها سعيدة باستئناف الدراسة بعد عامين من حرب مدمّرة في قطاع غزة، ولو داخل خيمة.

للمرة الأولى منذ بدء عدوان الاحتلال في السابع من أكتوبر 2023، افتتحت مدرسة «لولوة القطامي» عددا من الصفوف في مبنى قديم أصيب بأضرار في حي الرمال في غرب مدينة غزة وبدأ نحو 900 تلميذ يتلقون تعليمهم الأساسي فيها.

وتروي ليان حجي (11 عاما) التي ترتدي قميصا مهترئا وبنطالا مرقعا، أنها تمشي عبر طريق طويل ووعر كل يوم من خيمتها في منطقة تل الهوى جنوب غرب غزة إلى مدرستها الجديدة التي لا تشبه المدارس التي عرفتها من قبل.

وتقول «أمشي نصف ساعة على الأقل، في شوارع مدمّرة.. ركام وحجارة، عذاب كبير وحزن».

وتضيف «ليست لدينا كتب ودفاتر، المكتبات مقصوفة ومدمّرة ولا شيء فيها». أما قاعات الصفوف، فهي بمعظمها عبارة عن خيم نصبت داخل الغرف المتضررة.

إلا أن حجي التي تحلم بأن تصبح طبيبة يوما ما تصرّ «أنا سعيدة بأنني أعود للتعلّم».

بعد شهر على وقف إطلاق النار بين الاحتلال وحماس، أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ووزارة التعليم في غزة، عودة تدريجية للمدارس في المناطق غير الخاضعة لسيطرة الاحتلال العسكرية في القطاع.

الدرس عن طريق اللعب

كذلك يعبّر سعيد شلدان (16 عاما) عن حماسته للعودة الى المدرسة بالقول «أنا سعيد لوقف الحرب وعودتي إلى المدرسة».

ويتابع «أضطر كل صباح الى تعبئة المياه وأصطف على طابور الخبز... نزحنا عشرات المرات، لم يعد لدينا بيت».

ويضيف «ليست عندي كتب ودفاتر ولا أقلام ولا حقيبة. لا صفوف، لا كراسي، لا كهرباء لا مياه... ولا حتى شوارع».

وتأمل مديرة مدرسة «لولوة القطامي» إيمان الحناوي (50 عاما) بتوفير كتب مدرسية وقرطاسية «مجانا بأقرب وقت للتلاميذ».

وتلفت إلى الوضع النفسي الصعب للتلاميذ «الحرب أجبرتهم على القيام بأعمال شاقة (...)، وهم أطفال. يجمعون حطبا ويعبئون المياه ويصطفون بطوابير للحصول على طعام».

وسجّلت عدسات فريق وكالة فرانس برس خلال الأشهر الماضية في القطاع الذي أعلنت فيه الأمم المتحدة المجاعة، مشاهد لأطفال يتدافعون ويبكون في نقاط توزيع وجبات غذائية للحصول على حصة.

وتوضح الحناوي أن المدرسة تعتمد أسلوبا جديدا في التعليم عن طريق اللعب، لتخفيف التوتر لدى الأطفال.

وفي هذا الإطار، تقوم معلمة رياضيات بتعليم تلميذاتها طريقة حلّ معادلات حسابية بسيطة من خلال تقسيمهن لمجموعات يتنافسن بالرقص. بينما يقسم أستاذ اللغة العربية تلاميذه إلى مجموعات صغيرة في ساحة المدرسة تقدّم كلّ منها لونا مختلفا من القصائد من خلال مسرحيات هزلية يؤديها الأطفال.

ويوضح مدير مشروع مدرسة «لولوة القطامي» فيصل القصّاص أن الحرب أثّرت على كلّ التلاميذ و«أصبح جلّ تفكيرهم الآن طابور الخبز والتكية والمياه»، مضيفا «بدأنا من الصفر، وأقمنا مبادرة نقطة تعليمية نستوعب فيها 900 تلميذ على فترتين، صباحية ومسائية. نحاول معالجة وضعهم النفساني وإعادتهم للدراسة من خلال الأنشطة اللامنهجية».

وقال المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني على منصة «إكس» قبل أيام، إن أكثر من 25 ألف تلميذ في قطاع غزة انضموا إلى «مساحات التعلّم الموقتة» التابعة للأونروا، فيما سيتابع حوالى 300 ألف تلميذ دروسا عبر الإنترنت.

ويبلغ عدد التلاميذ في قطاع أكثر من 758 ألفا، وفق وزارة التعليم التي تديرها حماس.

رياضة ودعم نفسي

في باحة مدرسة «الحساينة» في مخيم النصيرات في وسط قطاع غزة، تتجمّع فتيات صباحا لممارسة تمارين رياضية صباحية، ويهتفن «عاشت، عاشت فلسطين».

في إحدى الغرف، تجلس 50 تلميذة على الأرض من دون مقاعد أو طاولات. لكن ابتسامة ترتسم على وجوههن كلما أمسكن ورقة أو كتبن على السبورة.

خلال الحرب، تحوّلت معظم المدارس التابعة للأونروا والمدارس الحكومية إلى مراكز إيواء مئات آلاف النازحين الفارين من القصف، ولا يزال معظمهم فيها.

وبحسب الأونروا، تضرّرت 97% من المدارس في قطاع غزة، بعضها في «إصابات مباشرة»، وتحتاج الى إعادة بناء أو الى إعادة تأهيل كبيرة.

واستشهد عدد كبير من الفلسطينيين في قصف الاحتلال داخل المدارس أو بالقرب منها.

في منطقة المواصي غرب خان يونس في جنوب القطاع، تسعى مبادرات محلية متواضعة بعضها مدعوم من الخارج، الى إعادة الأطفال الى المدارس.

ويسعى مشروع «إعادة الأمل لغزة» الذي تنفّذه مؤسسة «التعليم فوق الجميع» القطرية بالشراكة مع منظمات تابعة للأمم المتحدة الى مساعدة أكثر من 100 ألف تلميذ عن طريق توزيع مستلزمات تعليمية وتوفير إنترنت وكهرباء ودعم نفسي وخيام.

ويشير مدير إحدى المبادرات المدعومة من المؤسسة حازم أبو حبيب الى أن التدريس في مدرسة المواصي يقتصر على أربع مواد أساسية هي اللغتان العربية والإنكليزية والعلوم والرياضيات.

ويقول «نهدف لمساعدة أكبر قدر ممكن من التلاميذ لمواصلة التعليم ولو في المواد الأساسية، حتى نتغلّب على تجهيل الجيل القادم».

وينبّه الى أن «التعليم يتعرّض لأخطر مراحله»، مشيرا الى أن قطاع غزة كان «قبل الحرب خاليا تماما من الأمية».

ورغم كل الصعوبات في القطاع الذي لا يزال مهدّدا بتجدّد الحرب، يقول الطفل شلدان بشيء من التحدّي «سأواصل الكفاح لأنجح رغم كل الصعوبات. التعليم بوابة المستقبل».

back to top