رياح وأوتاد: قسائم الشدادية كاشفة ومحذرة

نشر في 27-11-2025
آخر تحديث 26-11-2025 | 20:26
 أحمد يعقوب باقر

نشرت "الجريدة" يوم الأحد الماضي تقريراً حكومياً بعنوان «18 مشروعاً لتعزيز قطاع خاص ديناميكي في كويت جديدة 2035»، ومعظم ما جاء في الخبر كان مشروعات ذات مصروفات جارية، إلا مشروع إنشاء البنية الأساسية لمنطقة الشدادية الصناعية الذي بلغت نسبة الإنجاز فيه 89 في المئة؜، والذي سيحتوي على مئات القسائم لمختلف الأغراض الصناعية. 

وقد ذكرني هذا الخبر بيوم تسلمي وزارة التجارة والصناعة 2008/6/1، حيث أخبرني الأخ العزيز د. علي المضف، المدير العام لهيئة الصناعة وقتها، أنه تم تخصيص أرض كبيرة للهيئة في الشدادية، لإنشاء قسائم صناعية، وبالطبع فرحت بهذا الخبر وأعلنته، وباشرت بإعداد خطة لتوزيع القسائم، ولكن في أول اجتماع لمجلس إدارة هيئة الصناعة علمت من وكلاء الوزارات المختصة، وهي البلدية والأشغال والكهرباء، أن هذه الأرض ستمرّ بسلسلة طويلة من الإجراءات والخدمات، من التنظيم في البلدية إلى البنية التحتية والطرق إلى إيصال الكهرباء والاتصالات في الوزارات المعنية، وأن هذه الإجراءات والخدمات ستستغرق عشر سنوات تقريباً، وكانت فرحة ما تمّت، حيث توجد أمام الهيئة آلاف الطلبات من المواطنين والشركات الصناعية التي كانت تنتظر هذه القسائم التي أُجّلت لسنوات، ومن الطريف أنه قد تولى بعدي ثلاثة وزراء للتجارة معروفون، وكلهم صرحوا مرحبين بتخصيص هذه الأراضي الصناعية التي لم تتم، والآن وبعد 18 عاماً يأتي هذا الخبر ليعلن أن ما أنجز هو 89 في المئة فقط من المشروع، والله وحده يعلم متى ستجهز القسائم ومتى ستوزع ومتى سيبدأ الإنتاج فيها ومتى سنبدأ في الإيراد المالي للدولة!

إن بطء توفير أراضي الدولة لمختلف النشاطات الاقتصادية أصبح موضوعاً للسخط والتندر، ومن العبث الحديث عن التنمية في غيبة الأراضي التي يصفها بلير في تقريره بأنها أغلى ما تملكه البلد بعد النفط، وهي التي قد تشكّل مجالاً مهماً لتوظيف الشباب وخلق إيرادات جديدة للدولة.

وأيضاً حتى ما قرأناه عن تعثّر وفشل كثير من المشروعات الصغيرة والمتوسطة يعود إلى عدم توفير الأراضي لها، حيث استهلكت الإيجارات الباهظة إيرادات ورؤوس أموال مشروعاتهم.

وهناك تخوّف أيضاً من أن تُخصص هذه القسائم بعد تجهيزها لصناعات لا تخدم التنمية الحقيقية والاقتصاد الوطني، ولا توظف الأعداد الكبيرة من الشباب القادمين إلى سوق العمل، فتستفيد منها بالتالي العمالة الوافدة الرخيصة.

قصة قسائم الشدادية الصناعية قصة كاشفة عن الوضع البطيء القاتل للتنمية الحقيقية، ومحذرة في الوقت نفسه من استغلال أراضي الدولة بطريقة لا تخدم التنمية، ولا تُصلح الاختلالات المالية والاقتصادية التي تعانيها البلاد اليوم.

back to top