تقرير اقتصادي: تحسُّن التصنيف الائتماني إشارة إيجابية... لا صكّ بكفاءة الاقتصاد
• «الدَّين العام» و«الضريبة المتعددة» لا يمكن وصفهما بالإصلاحات دون بيان جودة الإنفاق
• تقييمات وكالات التصنيف ليست فوق النقد وتتطلب قدراً عالياً من الفحص
• إصلاحات الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الكويتي هي المطلوبة والمستدامة
رفعت وكالة ستاندرد آند بورز العالمية التصنيف السيادي لدولة الكويت من المرتبة (+A) إلى المرتبة (-AA)، مع الإبقاء على نظرة مستقبلية مستقرة، نتيجة التقدّم في إصلاحات المالية العامة، وفق ما نقله بيان بنك الكويت المركزي.
ومن دون شك، فإن رفع التصنيف السيادي لأي دولة مسألة إيجابية، خصوصاً عند فهمه في سياق وزنه الطبيعي، فهو موجّه بالدرجة الأولى بالنسبة للدول أو المصارف أو الشركات الى جهات معنيّة بالتصنيف السيادي أو الائتماني، وهم الدائنون، أي مقرضو الخزينة العامة والمستثمرون، وخصوصاً الأجانب.
كما أن طبيعة التصنيف الائتماني وقتية مرتبطة بوضع أو زمن معيّن، وتتم مراجعته دورياً، أحياناً بشكل فصلي، أو نصف سنوي، أو سنوي، أو حتى عند ظهور تطورات جيوسياسية واقتصادية طارئة، وفي كل الأحوال، فإن التصنيف الائتماني ليس شهادة على كفاءة الاقتصاد من عدمه، بل هو وصف لحالة مالية في زمن معيّن، بحيث يكون ارتفاع أسعار النفط العالمية، مثلاً، سببا لرفع درجة التصنيف الائتماني، بغضّ النظر عن أي سياسات إصلاحية في الاقتصاد.
3 أسباب
وحسب ما نقله بيان بنك الكويت المركزي عن تقرير وكالة ستاندرد آند بورز، فإن رفع التصنيف الائتماني للكويت - مع الأسباب المكررة منذ سنوات، كحجم الأصول السيادية أو إيرادات النفط - ارتكز على 3 أسباب جديدة رأت الوكالة أنها إصلاحية، أولها إقرار قانون التمويل والسيولة (الدَّين العام)، والثاني اعتماد ضريبة إضافية بحد أدنى 15 في المئة للشركات المتعددة الجنسيات، والثالث مرتبط ب «توقّعات» الوكالة بإجراءات الحكومة فيما يتعلق بسياسات وقوانين كالمنطقة الشمالية، أو مشروع مطار الكويت الدولي، أو تسهيلات منح تأشيرات دخول البلاد، فضلاً عمّا أسمته ب «إجراء تخطيط أكثر كفاءة للقوى العاملة».
«ستاندرد آند بورز» لم تشرح مسألة إجراء تخطيط أكثر كفاءة للقوى العاملة، مع بلوغ العمالة الوطنية بالقطاع العام مستويات قياسية
ليس الاقتراض
ومع تأكيد أن تصورات أو حتى تقييمات المؤسسات الأجنبية، وأهمها وكالات التصنيف الائتماني ليست فوق النقد، فإن الإجراءات الإصلاحية التي تحدثت عنها «ستاندرد آند بورز» بحاجة الى قدر مرتفع من الفحص، إذ إن إقرار قانون الدَّين العام لا يمكن اعتباره إجراء إصلاحياً إذا لم يقترن بتعزيز كفاءة الإنفاق العام، وتوجيه أموال الاقتراض في مشاريع وسياسات ذات قيمة مضافة للاقتصاد وليس مجرّد الاقتراض، خصوصاً أن وكالة أخرى لا تقل تقييماً عن «ستاندرد آند بورز»، وهي «فيتش»، توقعت في شهر سبتمبر الماضي أن الكويت ستموّل 70 بالمئة من عجز الموازنة المقدّر ب 6.3 مليارات دينار عن طريق إصدارات الدين العام، أي أن إنفاق أموال القرض السيادي على الأرجح سيوجه لسداد التزامات العجز في الميزانية، وليس للإنفاق على مشاريع وخطط وسياسات اقتصادية.
كفاءة الضريبة
ولعل اعتبار «ستاندرد آند بورز» أن اعتماد الكويت لضريبة 15 في المئة للشركات المتعددة الجنسيات واحدة من خطوات الإصلاح المالي في البلاد يفتح مجالاً جديداً لتساؤلات حول جودة تقييم الخطوات الإصلاحية في وكالات التصنيف الكبرى، فهذه الضريبة هي التزام دولي أكثر من كونها مبادرة إصلاحية حكومية، وتم إقرارها وفقاً لاشتراطات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على فئة الشركات المتعددة الجنسيات التي تتجاوز إيراداتها السنوية العالمية 750 مليون يورو، أو ما يعادلها، وبالتالي لو لم تعتمدها الكويت، فإنها ستُجبى من دول أخرى. وفي كل الأحوال، فإن الأثر الاقتصادي المستهدف لهذه الضريبة وتحديد درجة النجاح في تطبيقها يجب أن يتجاوز العائد المالي المحتمل (250 مليون دينار سنوياً)، وهو ما يتمثل بمدى كفاءة الإدارة العامة بشأن خلق فرص الاستثمار وإصلاح بيئة الأعمال، بحيث يخدم تنمية حجم الاقتصاد، وبالتالي تحقيق الأثر الإيجابي من الضريبة ماليا واقتصاديا، فضلا عن كفاءة إنفاق هذه الأموال بعد جبايتها.
المشاريع والسياسات الواردة بمسببات رفع التصنيف لا تزال في إطار الفرضيات لا الواقع العملي
فرضيات وتقييم
أما المشاريع والسياسات التي وردت في مسببات رفع التصنيف الائتماني، فهي لا تزال في إطار الفرضيات لا الواقع العملي، ومعظمها مفنّد من خلال تقارير حكومية رسمية، فالمنطقة الشمالية ومعها ميناء مبارك ومطار الكويت الدولي الجديد كلها مشاريع متأخرة عن جدولها الزمني، بل إن مشروع المنطقة الشمالية الذي يُفترض أنه الأهم في الكويت على صعيد التحول الاقتصادي، لا يزال في «المرحلة صفر» على صعيد الإنفاق المالي أو التنفيذ الإنشائي، أو حتى الإطار التشريعي، أما التعويل على أثر تسهيل منح التأشيرات لدخول البلاد كعامل دعم فهو تقييم سابق لأوانه، وبحاجة الى قياس وتحديد للأثر المالي والاقتصادي، قبل اعتباره عاملاً لنمو القطاعات غير النفطية، كما أن الوكالة لم تشرح ما عبّرت عنه بأن الحكومة تنوي «إجراء تخطيط أكثر كفاءة للقوى العاملة»، خصوصاً أن الأرقام الرسمية تشير إلى أن العمالة الوطنية في القطاع العام ناهزت مستويات قياسية عند 84 بالمئة من حجم قوة العمل الوطنية.
أسئلة وتوجسّات
واللافت في تقرير «ستاندرد آند بورز» أن مشاريع المنطقة الشمالية وميناء مبارك ومطار الكويت هي مشاريع موجودة في إطار خطط الجهاز التنفيذي للدولة منذ سنوات، ومع ذلك لم يتم اعتبارها سابقاً ضمن العوامل الداعمة للتصنيف السيادي للبلاد، إلّا عندما أقرّت الحكومة الكويتية قانون التمويل والسيولة (الدين العام)، وهو أمر يثير أسئلة وتوجسات وجيهة، حتى مع عدم إمكانية الجزم بها.
الحاجة الفعلية
وعودة على بدء، يظل رفع التصنيف السيادي أمراً إيجابياً، شرط فهمه ضمن سياقه، مع تأكيد أن مسألة الإصلاح الاقتصادي والمالي أشمل بكثير من التصنيف السيادي، خصوصاً لدولة مثل الكويت لا يمكن الحديث فيها عن الإصلاحات دون معالجة واضحة للاختلالات الهيكلية والمزمنة في الاقتصاد الكويتي، وأهمها رفع حجم الإيرادات غير النفطية من إجمالي الإيرادات العامة، وإصلاح سوق العمل، وتعديل التركيبة السكانية، فضلاً عن تنمية الناتج المحلي الإجمالي وتنويعه، مع الأخذ في الاعتبار جذب الاستثمارات الأجنبية والخبرات والتكنولوجيا وتطوير النظام التعليمي، فهذه ما تُعدّ بالفعل إصلاحات اقتصادية ذات أبعاد مستدامة تتجاوز في أثرها التصنيف الائتماني الوقتي.