«الدستورية»: الملكية الخاصة ليست عصية على التنظيم التشريعي
• المحكمة رفضت طعون قانون «الأراضي الفضاء» وأكدت دخوله حيز التنفيذ مطلع 2026
• في ظل النظم الحديثة ليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها
• الرسوم يتوقف تطبيقها على إرادة المالك نفسه فمتى سددها زال الحظر فوراً
• القانون جاء لحل مشكلة الإسكان ولتفريج كربات المواطنين
• القيود المفروضة على حق الملكية ليست مقصودة لذاتها بل لمصلحة الجميع
رفضت المحكمة الدستورية، برئاسة المستشار عادل البحوة، وعضوية المستشارين صالح المريشد، وعبدالرحمن الدارمي، وإبراهيم السيف، ووليد المعجل، الطعون المقدمة على قانون احتكار الأراضي الفضاء، مؤكدة استمرار القانون الذي يعمل به في مطلع 2026.
وفي تعليقها على الطعن المباشر بعدم دستورية القانون رقم 126 لسنة 2023 بشأن مكافحة احتكار الأراضي الفضاء، قولاً من الطاعن بأن القانون المطعون فيه شابت بعض مواده شبهات بعدم الدستورية، لمخالفتها نصوص الدستور، قالت المحكمة «لقد توافرت للطاعن الصفة والمصلحة الشخصية المباشرة في إقامة الطعن الماثل، إذ إنه يمتلك قسيمة مخصصة للسكن الخاص مساحتها 21664 متراً مربعاً، فيخضع لأحكام هذا القانون ويلتزم بدفع الرسوم المفروضة بموجبه، مما يلحق به ضرراً كبيراً، وقد أقام طعنه على أسباب حاصلها أن المادة 1 من القانون المطعون فيه فرضت رسماً سنوياً مقداره 10 دنانير على كل متر مربع يزيد على مساحة ألف وخمسمئة متر مربع لقسائم السكن الخاص غير المبنية، ويزداد هذا الرسم سنوياً ثلاثين ديناراً، حتى يبلغ مئة دينار في السنة للمتر المربع، وهو ما يمثل عدواناً على حق الملكية ومصادرة ضمنية له، لأن فرض هذا الرسم المبالغ فيه على رأسمال لا يدر دخلاً على مالكه ولفترة غير محددة سوف يؤدي لا محالة إلى تآكل رأس المال أو زواله كلياً ومصادرته، وهو أمر مناهض لحق الملكية ويعد تقويضاً له بالمخالفة للمادتين 16 و18 من الدستور».
وأشارت المحكمة إلى ما استند إليه الطاعن كذلك في طعنه، حيث بيّن أن سلطة المشرع في تنظيم هذا الحق لا يجوز أن تجاوز بمداها الحدود اللازمة لضبطه، وإلا اعتبر بمنزلة التعدي على الملكية توصلاً إلى أخذها من أصحابها بالمخالفة للدستور، فضلاً عن أن المادة 2 من القانون حظرت إتمام إجراءات نقل الملكية أو إصدار توكيل بالتصرف في أي من القسائم التي لم تسدد عنها الرسم المفروض، كما حظرت المادة 3 منه على البنوك والمؤسسات والشركات الفردية التعامل بالبيع أو الشراء أو الرهن أو إصدار حوالة حق أو توكيل خاص بالتصرف للغير أو عن الغير في أي من القسائم المخصصة للسكن الخاص، وهو ما يمثل اعتداء على أحد عناصر حق الملكية».
«الفتوى والتشريع»
وأشارت إلى أن ممثل إدارة الفتوى والتشريع قدّم مذكرة بدفاع الحكومة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وصمم الحاضر عن الطاعن على الطلبات الواردة بصحيفة الطعن، وبجلسة المرافعة الأخيرة قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة الأمس.
وقالت المحكمة الدستورية، إن حاصل النعي على مواد القانون المطعون فيه أنها قد فرضت رسوماً سنوية تصاعدية على قسائم السكن الخاص غير المبنية، فيما يزيد على مساحة ألف وخمسمئة متر مربع، وهو ما يمثل عدواناً على حق الملكية ومصادرة ضمنية له، لأن فرض هذا الرسم المبالغ فيه على رأسمال لا يدر دخلاً على مالكه ولفترة غير محددة سوف يؤدي لا محالة إلى تآكل رأس المال أو زواله كلياً ومصادرته، وهو أمر مناهض لحق الملكية وبعد تقويضاً له، كما أن حظر إتمام إجراءات نقل الملكية أو إصدار توكيل بالتصرف في أي من القسائم التي لم تسدد عنها الرسم المفروض، وحظر تعامل الشركات والبنوك والمؤسسات في أي من هذه القسائم يعد بمنزلة عقوبة بالمنع من التصرف، ومصادرة للأموال واعتداء على حق الملكية ومخالفة لمبدأ العدالة الاجتماعية، فضلاً عن مخالفة مبدأ المساواة بفرض الرسم المشار إليه على قسائم السكن الخاص غير المبنية المملوكة لأحد الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين، دون غيرهم من مالكي القسائم، سواء الأشخاص الاعتبارية العامة أو القسائم الاستثمارية، مما يعد تمييزاً بينهم رغم تماثل مركزهم القانوني بالمخالفة لعدد من مواد الدستور.
وأضافت «الدستورية»، وحيث إن هذا النعي مردود بما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أنه وإن كان الدستور قد كفل بالمادتين 16 و18 منه حماية الملكية الخاصة باعتبارها من المقومات الأساسية للمجتمع وللثروة الوطنية وإعلاء لدورها في أداء وظيفتها الاجتماعية ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، غير أن الملكية - في ظل النظم القانونية الحديثة التي توائم بين الصالح العام للمجتمع والمصلحة الخاصة للفرد - لم تعد حقاً مطلقاً ولا هي عصية على التنظيم التشريعي، وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها، بل أضحى متعيناً أن يكون تنظيمها كاشفاً عن أداء دورها في إطار وظيفتها الاجتماعية، وبالتالي فقد ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها هذه الوظيفة وتمليها طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التي ينبغي توجيهها إليها.
وتابعت: وبمراعاة أن القيود التي تفرض على حق الملكية للحد من إطلاقها ليست مقصودة لذاتها، وإنما غايتها مصلحة الجماعة والفرد، وتلك القيود قد تكون أعباء مالية أو تكاليف عامة كالرسوم، وإذا كان الأصل أنه لا يجوز أن تكون رؤوس الأموال ذاتها - على اختلاف أنواعها - وعاء للفرائض المالية التي ينظمها المشرع في نطاق سلطته صوناً لرأس المال من الزوال كلية، أو فقدان جزء كبير منه، وأن الدخل الدوري المتجدد لرأس المال يعد هو الوعاء الأساسي لتلك الأعباء المالية، إلا أنه يسوغ استثناء من هذا الأصل تحميل رأس المال ذاته بعبء مالي لضرورة ملحة، فيجوز للمشرع وفقاً للدستور بناءً على هذا الاستثناء وفي إطار التنظيم الاجتماعي للملكية فرض تكاليف مالية على الأموال محلها، بما يدفعها قدماً إلى أداء وظيفتها الاجتماعية، وليدرأ عنها ما يعطلها أو يحول دون تحقيقها للغايات المنشودة من وظيفتها، كما يسوغ - بناء على ضرورة تفرضها الأوضاع الاقتصادية للدولة أو توجبها مصالحها الحيوية - أن يفرض المشرع قيوداً في شأن ملكية بعض الأموال، أو أن يخرج فئة منها من دائرة الأموال التي يجوز التعامل فيها.
التنظيم التشريعي المتضمن بالقانون الأخير يدخل في نطاق السلطة التقديرية للمشرع لتنظيم الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية بمجال الإسكان
واستطردت «الدستورية» في حكمها: متى كان ما تقدم، وكانت الوظيفة الاجتماعية للملكية تبرز في مجال الإسكان للأزمة التي يواجهها، فإن تنظيمها التشريعي في هذا المجال تستدعيه الضرورة الموجبة له، وهو ما دفع المشرع إلى إصدار القانون رقم 50 لسنة 1994 بتنظيم استغلال الأراضي الفضاء الذي فرض بموجبه رسماً سنوياً مقداره نصف دينار على كل متر مربع يجاوز خمسة آلاف متر مربع من القسيمة أو قسائم السكن الخاص متى كانت جاهزة للبناء، وعدله بعد ذلك بالقانون رقم 8 لسنة 2008 جاعلاً الرسم السنوي المفروض على قسائم السكن الخاص غير المبنية 10 دنانير على كل متر مربع يجاوز مساحة خمسة آلاف متر مربع، ولم يعتبر القسيمة مبنية إلا إذا بلغت مساحة البناء (200 م2) أو (20%) من مساحة القسيمة أيهما أكبر، وحظر إتمام إجراءات نقل الملكية أو إصدار توكيل بالتصرف في أي من هذه القسائم للغير، إلا بموافقة خطية من وزارة المالية بعد استيفاء الرسوم المستحقة للدولة.
تفريج كربات المواطنين
وبينت أن الباعث على ذلك هو رغبة المشرع في إيجاد حل المشكلة الإسكان وتفريج كربة المواطنين وتخفيف معاناتهم من هذه المشكلة بفك احتكار ملاك الأراضي غير المستغلة التي يتمسكون بها بقصد رفع أسعارها واستثمارها في سوق العقارات ويحجمون عن بيعها لمجرد المضاربة عليها بمرور الزمان، وإذ لم يحقق أي من القانونين الغرض المقصود منه واستمرت معاناة المواطنين الكويتيين من الارتفاع المتصاعد في أسعار العقارات بسبب زيادة الطلب وقلة المعروض من هذه العقارات، فقد أصدر المشرع القانون المطعون فيه رقم (126) لسنة 2023 والذي جعل الرسم المفروض على قسائم السكن الخاص غير المبنية (عشرة دنانير) على كل متر مربع يزيد على مساحة ألف وخمسمئة متر مربع لقسائم السكن الخاص غير المبنية ويزداد هذا الرسم سنوياً ثلاثين ديناراً حتى يبلغ مئة دينار في السنة للمتر المربع، ولم يعتبر القسيمة مبنية إلا إذا بلغت مساحة البناء نسبة (50%) من مساحة القسيمة، وذلك بقصد حمل ملاك الأراضي الفضاء الزائدة على مساحة ألف وخمسمئة متر مربع على استغلالها بالبناء عليها أو التصرف فيها لمن يقوم بهذا الاستغلال، وردهم عن تركها دون استغلال بقصد المضاربة عليها والذي يعرقل الملكية عن أداء وظيفتها الاجتماعية بما يضر بمصلحة المجتمع.
وتابعت: وكان التنظيم التشريعي الذي أتى به المشرع بموجب القانون الأخير هو مما يدخل في نطاق سلطته التقديرية في تنظيم الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية في مجال الإسكان، والتي يتمثل جوهرها في المفاضلة بين البدائل المختلفة التي تتزاحم فيما بينها على تنظيم موضوع محدد، فيرجح من بينها ما يراه أكفل لتحقيق المصالح المشروعة التي قصد إلى حمایتها، فارتأى المشرع فرض الرسم سالف البيان باعتباره من التكاليف المالية التي يجوز فرضها على رأس المال، والتي دفعت إليها ضرورة اجتماعية ملحة هي قلة الأراضي المتوفرة وارتفاع أسعارها، قاصداً من ذلك تحقيق مصلحة عامة أولى بالرعاية من المصلحة الخاصة للأفراد، مراعياً أن هذا الرسم لا يستطيل إلى كل ما يملكه الشخص من تلك الأراضي، إذ استبقى لمالكها مساحة ألف وخمسمئة متر مربع غير محملة بعبء هذا الرسم، وجاءت زيادة الرسم سنوياً لمدة ثلاث سنوات فقط حتى يتناسب مع التصاعد المطرد في أسعار الأراضي، وتتوقف هذه الزيادة ببلوغ الرسم مئة دينار في السنة للمتر المربع، فلا يكون من شأن هذا الرسم أن يصيب حق الملكية الخاصة في جوهره، وبالترتيب على ما تقدم تضحى المطاعن السالفة البيان الموجهة إلى نصوص القانون المطعون فيها على غير أساس سليم من الوجهة الدستورية، ومن ثم يتعين القضاء برفض الطعن ومصادرة الكفالة، فلهذه الأسباب حكمت المحكمة برفض الطعن، مع مصادرة الكفالة.
الرسوم تدابير مشروعة لا عقوبة
رأت «الدستورية» أن الرسوم المفروضة بموجب قانون أراضي الفضاء قد انتظمتها قاعدة موحدة تطبق على جميع الملّاك الذين تماثلت مراكزهم القانونية، وفقاً للشروط التي وضعها المشرّع في هذا الشأن بغير تمييز بينهم، وبغضّ النظر عن قيمة الأراضي التي يملكونها أو موقعها أو حجمها، بقصد تحقيق الأغراض التي استهدفها وهي إيجاد حل لمشكلة الإسكان، تحقيقاً لمصلحة عامة روعي فيها تحقيق التوازن بين مصلحة الجماعة ومصلحة الأفراد.
وأضافت، فلا يكون بذلك قد أخل بقواعد العدالة الاجتماعية والمساواة. وحيث إنه عن الادعاء بأن فرض الرسم المشار إليه هو بمنزلة عقوبة توقع على المالك لمجرد ملكيته لما يزيد على ألف وخمسمئة متر، فهو غير صحيح، أما حظر إتمام إجراءات نقل الملكية أو إصدار توكيل بالتصرف في أي من القسائم التي لم تسدد عنها الرسوم، فهي تدابير قررها المشرّع لضرورة تبررها.
مواجهة الاحتكار والمضاربة
في معرض حكمها، قالت «الدستورية»، لقد جاء فرض هذا الرسم في نطاق السلطة التقديرية للمشرع، متفقاً مع الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، قاصداً منها تحقيق مصلحة عامة هي مواجهة الاحتكار والمضاربة على تلك الأراضي، ويكون على أصحابها إذا أرادوا الاحتفاظ بها دون استغلال أو التصرف فيها سداد الرسوم المستحقة عليها، فلا يكون التنظيم التشريعي سالف البيان قد تضمن نزعاً للملكية أو مصادرة لها.
وقالت: كما أنه ليس من شأنه في ذاته أن يؤدي إلى هلاك رأس المال أو زواله كلية، وحيث إنه عن النعي على القانون المطعون فيه بانطوائه على إخلال بمبدأي العدالة والمساواة، فهو مردود بما هو مقرر - في قضاء هذه المحكمة - من أن المساواة أمام القانون تتحقق بتوافر شرطَي العمومية والتجريد في القاعدة القانونية.
القانون لا يتعارض مع حق المالك... ولا يهلك رأسماله
أكدت «الدستورية» أن قانون رسوم أراضي الفضاء لا يتعارض مع حق المالك في التصرف في ملكه، إذ يظل هو صاحب الحق في التصرف في الأراضي المملوكة له، مادام أنه قد سدد الرسوم المستحقة عليها، كما يجوز له في حالة التعثّر عن سداد تلك الرسوم التقدم بطلب بيعها كلها أو جزء منها، ويتم استيفاء قيمة الرسوم المستحقة للدولة من قيمة العقار المبيع، ولا يصح القول بأن هذه الزيادة التصاعدية في مقدار الرسم تؤدي إلى هلاك رأس المال وزواله، وأنها تعد نزعاً لملكية الأراضي من يد أصحابها ومصادرة لها دون تعويض عادل.
وبينت أن فرض رسم على تلك القسائم لا يؤدي إلى نزع ملكيتها من يد أصحابها أو مصادرتها، وإنما هو عبء مالي يفرضه المشرّع عليهم مقابل استمرار احتفاظهم بها كأرض فضاء غير مستغلة مع حاجة المواطنين إليها، مع الأخذ في الاعتبار قيام الدولة بتوصيل خدمات البنية التحتية والكهرباء لتلك الأراضي بنفقات من لدنها بما يعود بالنفع الخاص على ملاكها، والذي يتمثل في تصاعد أسعارها بمرور الزمان، بسبب تمتعها بالمرافق والخدمات وتميزها بتلك التحسينات.